للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال أبو حنيفةَ، ومالِكٌ، والشافعي في صَحِيحِ قَوْلَيه. وقال في الآخَرِ: ليس لغيرِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أن يَحْمِيَ؛ لقَوْلِه: «لَا حِمَى إلَّا لِلّهِ ولِرَسُولِهِ». ووَجْهُ الأولِ، أن عُمَرَ وعُثْمانَ حَمَيا، واشْتَهَر ذلك في الصحابةِ، فلم يُنْكَرْ عليهما، فكان إجْماعًا، فرَوَى أبو عُبَيدٍ (١)، بإسْنادِه، عن عامِرِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ الزُّبيرِ، أحْسَبُه عن أبيه، قال: أتى أعْرابِي عُمَرَ، فقال: يا أمِيرَ المُومِنِينَ، بِلادُنا قاتَلْنا عليها في الجاهِلِيةِ، وأسْلَمْنا عليها في الإسْلامِ، عَلامَ تَحْمِيها؟ قال: فأطْرَقَ عُمَرُ، وجَعَلَ يَنْفُخ ويَفْتِلُ شارِبَه وكان إذا كَرَبَه أمْر قتَل شارِبَه، ونَفَخ. فلَمّا رَأى الأعْرابِيُّ ما به جَعَل يُرَدِّدُ ذلك، فقال عُمَرُ: المال مالُ اللهِ، والعِبادُ عِبادُ اللهِ، واللهِ لولا ما أحْمِلُ عليه في سَبِيلِ اللهِ ما حَمَيتُ مِن الأرْضِ شِبْرًا في شِبْر. قال مالِك: بَلَغَنِي أنَّه كان يَحْمِلُ في كلِّ عام على أرْبَعِين ألْفًا مِن الظَّهْرِ. وعن أسْلَمَ تال: سَمِعْتُ عُمَرَ يقولُ لِهُنَيٍّ حينَ اسْتَعْمَلَه على حِمَى الربْذَةِ (٢): يا هُنَيُّ، اضْمُمْ جَناحَك عن الناسِ، واتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ فإنها مُجابَةٌ، وأدْخِلْ رَبَّ الصرِيمَةِ والغَنِيمَةِ، ودَعْنِي مِن نَعَمِ بنِ عَوْفٍ ونَعَمِ بنِ عَفّانَ، فإنَّهما إن هَلَكَتْ ماشِيَتُهما رَجَعا إلى نَخْل وزَرْع، وإن هذا المِسْكِينَ إن هَلَكَتْ ماشِيَتُه جاء يَصْرُخُ: يا أمِيرَ المُومِنِينَ. فالكَلأ أهْوَنُ عَلَيَّ أمْ غُرْمُ الذَّهَبِ والوَرِق، إنَّها أرْضُهم قاتلُوا عليها في الجاهِلِيةِ، وأسْلَمُوا عليها


(١) في: الأموال ٢٩٩.
(٢) الربذة: موضع قرب المدينة.