سَبَبَ تَغْرِيمِه، إلَّا أن يكونَ المُلْتَقِطُ قد أقَرَّ للواصِفِ أنَّها له، فإنَّه لا يَرْجِعُ عليه؛ لأنَّه أقَرَّ أنَّه مالِكُها ومُسْتَحِقُّها، وأنَّ صاحِبَ البَيِّنةِ ظَلَمَه بتَضْمِينِه، فلا يَرْجِعُ على غيرِ ظالِمِه. وإن كانتِ اللُّقَطَةُ قد تَلِفَتْ عندَ المُلْتَقِطِ، فضَمَّنَه إيّاها، رَجَع على الواصِفِ بما غَرِمَه، وليس لمالِكِها تَضْمِينُ الواصِفِ؛ لأنَّ الذي قَبَضَه إنَّما هو مالُ المُلْتَقِطِ لا مالُ صاحِبِ اللُّقَطَةِ، بخِلافِ ما إذا سَلَّمَ العَينَ. فأمّا إن وَصَفَها إنْسان فأخَذَها، ثم جاء آخرُ فوَصَفَها وادَّعاها، لم يَسْتَحِقَّ شيئًا؛ لأنَّ الأوَّلَ اسْتَحَقَّها لوَصْفِه إيّاها وعَدَمِ المُنازِعِ فيها، وثَبَتَتْ يَدُه عليها، ولم يُوجَدْ ما يَقْتَضِي انْتِزاعَها منه، فوَجَبَ إبْقاؤُها في يدِه (١)، كسائِرِ مالِه.
فصل: ولو جاء مُدَّعٍ للُقَطَةٍ فلم يَصِفْها، ولا أقامَ بَيَنةً أنَّها له، لم يَجُزْ دَفْعُها إليه، سواءٌ غَلَب على ظَنِّه صِدقُه أو كَذِبُه؛ لأنَّها أمانةٌ، فلم يَجُزْ دَفْعُها إلى مَنْ لم يُثْبتْ أنَّه صاحِبُها، كالوَدِيعة. فإنْ دَفَعَها فجاء آخَرُ فوصَفَهَا، أو أقامَ بها بَيِّنةً، لَزِمَ الدّافِعَ غَرامَتُها له، لأنَّه فَوَّتَها على مالِكِها بتَفْرِيطِه، وله الرُّجُوعُ على مُدَّعِيها، لأنَّه أخَذ مال غيرِه، ولصاحِبِها تَضْمِينُ آخِذِها، فإذا ضَمَّنَه، لم يَرْجِع على أحَدٍ. وإن لم يَأْتِ أحَدٌ يَدَّعِيها فلِلْمُلْتَقِطِ مُطالبةُ آخِذِها؛ لأنَّه لا يَأْمَنُ مَجِئَ صاحِبِها فيُغَرِّمُه إيّاها، ولأنَّها أمانةٌ في يَدِه، فمَلكَ الأخْذَ مِن غاصِبِها، كالوَدِيعةِ.