المُزَنِيُّ قائِفًا. ولا يُقْبَلُ قولُ القائِفِ إلَّا أن يَكُونَ ذَكَرًا عَدْلًا، مُجَرَّبًا في الإِصابَةِ؛ لأنَّ قَوْلَه حُكْمٌ، فاعْتُبِرَتْ له هذه الشُّرُوطُ. قال القاضي، في مَعْرِفةِ القائِفِ بالتَّجْرِبةِ: هو أن يُتْرَكَ الصَّبِيُّ مع عَشَرَةِ رِجالٍ غيرِ مَن يَدَّعِيه، ويُرَى إيّاهُم، فإن ألْحَقَه بواحدٍ منهم، سَقَطَ قَوْلُه؛ لِتَبَيُّنِ خَطَئِه. وإن لم يُلْحِقْه بواحدٍ منهم أرَيناهُ إيّاه مع عِشْرِينَ منهم مُدَّعِيه، فإن ألْحَقَه به لَحِق. ولو اعْتُبِرَ بأن يَرَى صَبِيًّا مَعْرُوفَ النَّسَبِ مع قَوْم فيهم أبوه أو أخُوه، فإذا ألْحَقَه بقَرِيبِه، عُرِفَتْ إصابَتُه، وإن ألْحَقَه بغيرِه سَقَطَ قَوْلُه , جازَ. وهذه التَّجْرِبَةُ عندَ عَرْضِه على القائِفِ للاحْتِياطِ في مَعْرِفَةِ إصَابَتِه، ولو لم نجَرِّبْه بعدَ أن يكونَ مَشْهُورًا بالإِصابَةِ وصِحَّةِ المَعْرِفَةِ في مَرّاتٍ كثيرةٍ، جازَ، فقد رُوِيَ أنَّ رَجُلًا شَرِيفًا شَكَّ في وَلَدِه مِن جارِيته، وأبى أن يَسْتَلْحِقَه، فمَر به إياسُ بنُ مُعاويَةَ في المَكْتَبِ، ولا يَعْرِفُه، فقال له: ادْعُ لي أباكَ. فقال له المُعَلِّمُ: ومَن أبو هذا؟ قال: فلانٌ. قال: مِن أين عَلِمْتَ أنَّه أبوه؟ قال: هو أشْبَهُ به مِن الغُرَابِ بالغُرَابِ. فقامَ المُعَلِّمُ مَسْرُورًا إلى أبِيه فأعْلَمَه بقَوْلِ إياسٍ، فخَرَجَ الرَّجُلُ وسأل إياسًا: مِن أينَ عَلِمْتَ أنَّ هذا وَلَدِي؟ فقال: سُبْحانَ اللهِ، وهل يَخْفَى ذلك على أحَدٍ، إنَّه لأشْبَهُ بك مِن الغُرَابِ بالغُرَابِ. فَسُرَّ الرجُلُ واسْتَلْحَقَ وَلَدَهُ.