ذلك، أنَّ مَن وَقَف على سَبِيلِ الله، أو ابنِ السَّبِيلِ، أو الرِّقابِ، أو الغارِمِين، فهم الذين يَسْتَحِقُّون السَّهْمَ مِن الصَّدَقاتِ، لا يَدْخُلُ معهم غيرُهم؛ لأنَّ المُطْلَقَ مِن كلامِ الآدَمِّيين يُحْمَلُ على المَعْهُودِ في الشَّرْعِ، فيُنْظَرُ؛ مَن كان يَسْتَحِقُّ السَّهْمَ مِن الصَّدَقاتِ، فالوَقْفُ مَصْرُوفٌ إليه، وقد مَضَى شَرْحُ ذلك في الزكاةِ. فإن وَقَف على الأصْنافِ الثَّمانيةِ الذين يَأْخُذون الصَّدَقاتِ، صُرِف إليهم، ويُعْطَى كل واحدٍ منهم مِن الوَقْفِ مثلَ القَدْرِ الَّذي يُعْطَى مِن الزكاةِ، لا يُزادُ عليه، وقد ذَكَرْنا ذلك. وقد اخْتُلِفَ في القَدْرِ الَّذي يَحْصُّلُ به الغِنَى، فقال أحمدُ، في روَايةِ عليِّ بنِ سعيدٍ، في الرجلِ يُعْطَى مِن الوَقْفِ خمْسِينَ دِرْهَمًا، فقال: إن كان الواقِف ذَكَر في كِتابِه المَساكِينَ، فهو مِثلُ الزكاةِ، وإن كان مُتَطَوِّعًا، أعْطَى مَن شاء وكيف شاء. فقد نصَّ على إلْحاقِه بالزكاةِ، فيكونُ الخِلافُ فيه كالخِلافِ في الزكاةِ. واخْتارَ أبو الخَطَّابِ، وابنُ عَقِيلٍ، زِيادَةَ المِسْكِينِ على خَمْسينَ دِرْهمًا؛ لأنَّ لَفْظَ أحمدَ لا تَقيِيدَ فيه. قال أبو الخَطّابِ: وفي المَسْأْلَةِ وَجْهان وجهُهما ما سَبَقَ.
فصل: فإن وَقَف على الأصْنافِ كلِّها، أو على صِنْفَين أو أكثَرَ، فهل يجوزُ الاقْتِصارُ على صِنْفٍ واحدٍ، أو يَجِبُ إعْطاءُ بعضِ كلِّ صِنْفٍ؟ فيه وَجْهان، بِناءً على الزكاةِ.