مُدَّةَ حَياةِ فُلانٍ. ونحوَ هذا، لم يَصِحَّ؛ لأنَّها تَمْلِيكْ للرَّقَبَةِ، فلم تَصِحَّ مُؤقَّتَةً، كالبَيعِ، وتُفارِقُ العُمْرَى والرُّقْبَى؛ لأنَّ الإنْسانَ إنَّما يَمْلِكُ الشيءَ عُمُرَه، فإذا مَلَكَه عُمُرَه فقد وَقَّتَه بما هو مُوقَّتٌ به في الحَقِيقةِ، فصار ذلك كالمُطْلَقِ.
فصل: فأمّا إن قال: سُكْناها لك عُمُرَك. فله أخْذُها في أيِّ وَقْتٍ أحَبَّ. وكذلك إن قال: اسْكُنْها. أو: أسْكَنْتُكَهَا عُمُرَكَ. أو نحوَ ذلك، فليس هذا عَقْدًا لازِمًا؛ لأنَّه في التَّحْقِيقِ هِبَةُ المَنافِعِ، والمَنافِعُ إنما تُسْتَوْفَى بمُضِيِّ الزَّمانِ شيئًا فشيئًا، فلا تَلْزَمُ إلَّا في قَدْرِ ما قَبَضَه منها واسْتَوْفاه بالسُّكْنَى. فعلى هذا، للمُسْكِنِ الرُّجُوعُ متى شاء، وتَبْطُلُ بمَوْتِ مَن مات منهما. وبه قال أكثَرُ أهلِ العِلْمِ؛ منهم الشَّعْبِيُّ، والنَّخَعِيُّ، والثَّوْرِيُّ، والشافعيُّ، وإسحاقُ، وأصحابُ الرَّأْي. وقال الحسنُ، وعَطاءٌ، وقَتادَةُ: هي كالعُمْرَى، يَثْبُتُ فيها مِثْلُ حُكْمِها. وحُكِيَ عن الشَّعْبِيِّ، أنَّه قال: إذا قال: هي لك، اسْكُنْ حتى تَمُوتَ. فهي له حَياتَه ومَوْتَه. وإن قال: دارِي هذه اسْكُنْها حتى تَمُوتَ. فإنَّها تَرْجِعُ إلى صاحِبِها؛ لأنَّه إذا قال: هي (١) لك. فقد جَعَل له رَقَبَتَها، فتكون عُمْرَى. وإذا قال: اسْكُنْ دارِي هذه. فإنَّما جَعَل له نَفْعَها دُونَ رَقَبَتِها، فتكونُ عارِيَّةً. ولَنا، أنَّ هذا إباحَةُ المَنافِعِ، فلم يَقَعْ لازِمًا، كالعارِيَّةِ، وفارَقَ العُمْرَى؛ فإنَّها هِبَةُ الرَّقَبةِ. فأمّا قَوْلُه: هذه لك، اسْكُنْها حتى