ولَنا، ما ذَكَرْنا مِن حديثِ حَمْنَةَ، وهو بظاهِرِه يُثْبِتُ الحُكْمَ في حَقِّ النّاسِيَةِ؛ لأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لم يَسْتَفْصِلْها، هل هي مُبْتَدَأةٌ، أو ناسِيَةٌ؟ ولو افْتَرَقَ الحالُ لاسْتَفْصَلَ. واحْتِمالُ أن تكُونَ ناسِيَةً أكْثَرُ، فإنَّ حَمْنَةَ امرأةٌ كَبِيرَةٌ، كذلك قال أحمدُ. ولم يَسْألْها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن تَمْيِيزِها؛ لأنَّه قد جَرَى مِن كلامِها مِن تَكْثِيرِ الدَّمِ وصِفَتِه ما أغْنَى عن السُّؤالِ عنه، ولم يَسْألْها، هل لها عادَةٌ فيَرُدُّها إليها؟ لاسْتِغْنائِه عن ذلك بعِلْمِه إيّاه، إذ كان مُشْتَهِرًا، وقد أمَرَ به أُخْتَها أُمَّ حَبِيبَةَ، فلم يَبْقَ إلَّا أن تَكُونَ ناسِيَةً، ولأنَّها لا عادَةَ لها ولا تَمْيِيزَ، أشْبَهَتِ المُبْتَدَأةَ. قَوْلُهم: لها أيّامٌ مَعْرُوفَةٌ. قُلْنا: قد زالتِ المَعْرِفَةُ، فصار وُجُودُها كعَدَمِها. وأمّا أُمُّ حَبِيبَةَ فكانت مُعْتادَةً رَدَّها إلى عادَتِها؛ لأنَّه قد روَى مسلمٌ، أنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ شَكَتْ إلى رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فقال لها:«امْكُثِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبسُكِ حَيضَتُكِ، ثم اغْتَسِلِي»(١). فكانت تَغْتَسِلُ عندَ كلِّ صلاةٍ، فيَدَلُّ على أنَّها إنَّما كانت تَغْتَسِلُ لكلِّ صلاةٍ في غيرِ وَقْتِ الحَيضِ، وأمّا وُجُوبُ غُسْلِ المُسْتَحاضَةِ لكلِّ صلاةٍ، فسيُذْكَرُ في المُسْتَحاضَةِ، إن شاء اللهُ تعالى.
فصل: قَوْلُه: سِتًّا أو سَبْعًا. الظّاهِرُ أنَّه رَدَّها إلى اجْتِهادِها، فيما يَغْلِبُ على ظَنَّها أنَّه عادَتُها، أو ما يُشْبِهُ أن يكُونَ حَيضًا. ذَكَرَه القاضي، وذَكَر في مَوْضِع آخَرَ أنَّه على وَجْهِ التَّخْيِيرِ بينَ السِّتِّ والسَّبْعِ، كما خَيَّرَ واطِئَ الحَيضِ في التَّكْفِيرِ بدِينارٍ أو نِصْفِ دِينارٍ؛ لأنَّ حَرْفَ «أو» للتَّخْيِيرِ.