للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

التَّبَرُّعِ سُدْسَها دِينارًا [ونِصفا] (١)، للواجبِ منها ثُلُثاها وللدَّينِ ثُلُثُها. فإن أوْصَى بالواجِبِ وأطْلَقَ، فهو مِن رأْسِ المالِ، فيُبْدأُ بإخْراجِه قبلَ التَّبَرُّعاتِ والمِيراثِ، فإن كانت ثَمَّ وَصِيَّةٌ بتَبَرُّع، فلِصاحِبِها ثُلُثُ الباقِي. وهذا قولُ أكْثَرِ أصحابِ الشافعيِّ. وذَهَب بعضُهم إلى أنَّ الواجِبَ مِن الثُّلُثِ كالقِسْمِ الذي قبلَه؛ لأنَّه إنَّما يَمْلِكُ الوصيةَ بالثُّلُثِ. ولَنا، أنَّ الواجِبَ مِن رَأْسِ المالِ، وليس في وَصِيَّتِه ما يَقْتَضِي تَغْيِيرَه، فيَبْقَى على ما كان عليه، كما لو لم يُوصِ به. وقولُهم: لا يَمْلِكُ الوَصِيَّةَ إلَّا بالثُّلُثِ. قُلْنا: في التَّبَرُّعِ، وأمّا في الواجِباتِ فلا تَنْحَصِرُ في الثُّلُثِ، ولا تَتَقَيَّدُ به. فإن أوْصَى بالواجِب وقَرَنَ به الوصيةَ بتَبَرُّعٍ، مثلَ أن يقولَ: حُجُّوا عني، وأدُّوا دَينِي، وتَصَدَّقُوا عني. ففيه وَجْهان؛ أصَحُّهما، أن الواجِبَ مِن رَأْسِ المالِ؛ لأنَّ الاقْتِرانَ في اللَّفْظِ لا يَدُلُّ على الاقْتِرانِ في الحُكْمِ ولا في كَيفِيَّتِه، ولذلك قال الله تعالى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} (٢). والأكْلُ لا يَجِبُ، والإِيتاءُ يَجِبُ. ولأنَّه ههُنا قد عَطَف غيرَ الواجِبِ عليه، فكما لم يَسْتَويا في الوُجُوبِ لا يَلْزَمُ اسْتواؤُهما في مَحَلِّ الإِخْراجِ. والثانِي، أنَّه مِن الثُّلُثِ؛ لأنَّه قَرَن به ما مَخْرَجُه مِن الثُّلُثِ. واللهُ سبحانه وتعالى أعلمُ.


(١) في م: «ونصفها».
(٢) سورة الأنعام ١٤١.