ووَجَبَ على القاتلِ الثانِي، لأنَّ الأوَّلَ لمَّا قَتَل أباه وَرِثَ ماله ودَمَه أخوه وأُمُّه، فلمَّا قَتَل الثاني أمَّه، وَرِثَها قَاتِلُ الأبِ، فصار له مِن دَمِ نَفْسِه ثُمْنُه، فسَقَطَ القِصاصُ عنه لذلك، وله القِصاصُ على الآخَر، فإن قَتَلَه، وَرِثَه في ظاهِرِ المذْهبِ. وإن جَرَح أحدُهما أباه، والآخَرُ أُمَّه، وماتا في حالٍ واحدةٍ ولا وارِثَ لهما سِواهُما، فلكُلِّ واحدٍ منهما مالُ الذي لم يَقْتُلْه، ولكُلِّ واحِدٍ منهما القِصاصُ على صاحِبه. ولذلك لو قَتَل كلُّ واحدٍ منهما أحَدَ الأبوَين ولم يكونا زَوْجَين، فلكُلِّ واحدٍ منهما القِصاصُ على أخيه، إلَّا أنَّه لا يُمْكِنُ أحدَهما الاسْتِيفاءُ إلَّا بإبطالِ حقِّ الآخَرِ، فيسْقُطان. وإن عَفَا أحدُهما عن الآخَرِ، فللآخَرِ قتْلُ العافي، ويَرِثُه في الظاهِرِ. وإن بادَرَ أحدُهما فقَتَل أخاه، سَقَط القِصاصُ عنه، ووَرِثَه في الظاهِرِ. ويَحْتَمِلُ أن لا يَرِثَه، ويَجِبُ القِصاصُ عليه، لأنَّ القِصاصَين لمَّا تَساوَيا وتَعَذَّرَ الجمعُ بينَ استيفائِهما، سَقَطَا، فلم يَبْقَ لهما حُكْمٌ، فيكونُ المستوفِي مِنهما مُتَعَدِّيًا باسْتيفائِه، فلا يَرِثُ أخاه، ويجبُ القِصاصُ عليه بقتلِه. وإن أشْكَلَ كَيفِيَّةُ موتِ الأبوَين وادَّعَى كُلُّ واحدٍ منهما أنَّ قَتيلَه أوَّلُهما موتًا، خُرِّجَ في تَوْرِيثهما ما ذكرنا في الغَرْقَى، مِن تورِيثِ كُلِّ واحدٍ مِن الميِّتين مِن الآخَرِ، ثم يَرِثُ كُلُّ واحدٍ منهما بعضَ دَمِ نَفْسِه، فيسْقُطُ القِصاصُ عنهما، ومَن لا يرَى ذلك، فالجوابُ فيها كالتي قبلَها. ويَحْتَمِلُ أن يَسْقُطَ القِصاصُ بِكُلِّ حالٍ للشُّبْهَةِ، والله أعلمُ، ويكونُ لكُلِّ واحدٍ منهما دِيَةُ الآخَرِ ومالُه.