الاغْتِسالِ مِن الماءِ الرَّاكِدِ بعدَ البَوْلِ فيه، ولم يُفَرِّقْ بينَ قليله وكَثيرِه. ولأنَّه ماءٌ حَلَّتْ فيه نجاسةٌ لا يُؤْمَنُ انْتِشارُها إليه، أشْبَهَ اليَسِيرَ. ولَنا، خَبَرُ القُلَّتَين، وبئرِ بُضاعةَ، اللَّذان ذكرْناهُما، معَ أنّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قد أُخْبِرَ أنَّ بِئرَ بُضاعةَ يُلْقَى فيه الحِيَضُ والنَّتَنَ ولحومُ الكلابِ، مع أنَّ بِئْرَ بُضاعَةَ لا يَبْلُغُ الحَدَّ الذي ذَكَرُوه. قال أبو داودَ: قَدَّرْتُ بئرَ بُضاعةَ فوجَدْتُها سِتَّةَ أذْرُع، وسألْتُ الذي فَتَح لي بابَ البُسْتانِ: هل غُيِّرَ بِناؤُها؟ قال: لا. وسألتُ قَيِّمَها عن عُمْقِها، فقلتُ: أكْثَرُ ما يكون فيها الماءُ؟ فقال: إلى العانَةِ. قلت: فإذا نَقَص. قال: دُونَ العَوْرَةِ. ولأنَّه ماءٌ يبلغُ القُلَّتَين، فأشْبَهَ الزائدَ على عشرةِ أذْرُعٍ، وحديثُهم عامٌّ، وحديثُنا خاصٌّ، فيَجِبُ تَخْصِيصُه به، وحديثُهم لابُدَّ مِن تَخْصِيصِه بما زادَ على الحدِّ الذي ذَكَرُوه، فيكونُ تخصيصُه بقولِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَوْلَى مِن تَخْصِيصِه بالرَّأْىِ والتَّحكُّمِ مِن غيرِ أصلٍ، ومَا ذكروه مِن الحَدِّ تقديرٌ مِن غيرِ تَوْقِيفٍ، ولا يُصارُ إليه بغيرِ نصٍّ ولا إجماعٍ، ثم إنَّ حديثَهم خاصٌّ في البَوْلِ، وهو قَوْلُنا في إحْدَى الرِّوايَتَين، جمعًا بين الحَدِيثَين، فَنَقْصُرُ الحُكْمَ على ما تناولَه النَّصُّ، وهو البولُ؛ لأنَّ له مِن التَّأْكِيدِ والانْتِشارِ ما ليس لغيرِه.