قُلْنا: إلَّا أنَّ كَسْبَه له، فإن عَجَزَ المُكاتَبُ صار رَقِيقًا معه لسيدِه، وإن أدَّى المُكاتَبُ لم يتَضَرَّرِ السيدُ بعِتْقِهم، وانْتَفَعَ به المُكاتَبُ، وإذا دار أمْرُه بينَ نَفْعٍ وانْتِفاءِ ضَرَرٍ، وجَبَ أن لا يُمْنَعَ منه. وفارَقَ التبرعَ؛ فإنَّه يُفَوِّتُ المال على السيدِ. فإن قيل: فيه ضَرَرٌ، وهو مَنْعُه مِن أداءِ الكِتابةِ، فإنَّه إذا صَرَفَ المال فيه، ولم يَقدِرْ على صَرْفِه في الكِتابةِ، عَجَزَ عنها. قُلْنا: هذا الضَّرَرُ لا يُمْنَعُ المُكاتَبُ منه، بدليلِ ما لو تَرَك الكَسْبَ مع إمْكانِه، أو امْتَنَعَ مِن الأداءِ مع قُدْرَتِه عليه، فإنَّه لا يُمْنَعُ منه ولا يُجْبَرُ على كَسْبٍ ولا أداءٍ، فكذلك لا يُمْنَعُ ممَّا هو في مَعْناه ولا ممَّا يُفْضِي إليه، ولأنَّ غايةَ الضَّرَرِ في هذا المَنْعُ مِن إتْمامِ الكِتابةِ، وليس إتْمامُها واجبًا عليه، فأشْبَهَ تَرْكَ الكَسْبِ، بل هذا أوْلَى، لوَجْهَين: أحدُهما، أنَّ هذا فيه نَفْعٌ للسيدِ، لمَصِيرِهم عَبِيدًا له. والثاني، أنَّ فيه نَفْعًا للمُكاتَبِ بإعْتاقِ ولَدِه وذَوي رَحِمِه، ونَفْعًا لهم بالإِعْتاقِ على تَقْدِيرِ الأداءِ، فإذا لِم يُمْنَعْ ممَّا يُساويه في المَضَرَّةِ مِن غيرِ نَفْعٍ فيه، فلان لا يُمْنَع ممَّا فيه نفْعٌ لازِمٌ لإِحْدَى الجِهَتين أوْلَى. ووَلَدُ المُكاتَبَةِ يدخلُ في كِتابَتِها، والحكمُ في جِنايته كالحُكْمِ في ولَدِ المُكاتَبِ سَواءٌ.
فصل: وإن جَنَى بعضُ عَبِيدِ المُكاتَبِ على بعض جِنايةً مُوجَبُها المالُ، لم يَثْبُتْ لها حكمٌ؛ لأنَّه لا يَجِبُ للسيدِ على عبدِه مالٌ. وإن كان مُوجَبُها القِصاصَ، فقال أبو بكر: ليس له القِصاصُ؛ لأنَّه إتْلافٌ لمالِه باخْتِيارِه. وهذا الذي ذَكَرَهُ شَيخُنا في الكِتابِ المشْرُوحِ، وذَكَرَه أبو