فصل في المَحْجُورِ عليه للسَّفَهِ: والكلامُ في نِكاحِه في ثلاثةِ أحْوالٍ؛ أحَدُها، أنَّ لوَلِيِّه تَزْويجَه إذا عَلِم حاجَتَه إلى النِّكاحِ؛ لأنَّه نُصِبَ لمَصالِحِه، وهذا مِن مَصالِحِه، لأنَّه يَصُونُ به دِينَه وعِرْضَه ونَفْسَه، فإنَّه رُبَّما تَعَرَّضَ بتَرْكِ التَّزْويجِ للإِثْمِ بالزِّنَى المُوجِبِ للحدِّ، وهَتْكِ العِرْضِ، وسَواءٌ عَلِم بحاجَتِه بقولِه أو بغيرِ قولِه، وسَواءٌ كانت حاجَتُه إلى الاسْتِمْتاعِ أو إلى الخِدْمَةِ، فيُزَوجُه امرأةً لتَحِلَّ له؛ لأنَّه يَحْتاجُ إلى الخَلْوَةِ بها. وإن لم يَكُنْ به حاجَةٌ إليه، لم يَجُزْ تَزْويجُه؛ لأنَّه تَلْزَمُه بالنِّكاحِ حُقُوقٌ؛ مِن المَهْرِ، والنفقةِ، والعِشْرَةِ، والمَبِيتِ، والسُّكْنَى، فيكونُ تَضْيِيعًا لمالِه ونَفْسِه في غيرِ فائدةٍ، فلم يَجُزْ، كتَبْذِيرِ مالِه. وإذا أرادَ تَزْويجَه اسْتَأْذَنَه في تَزْويجه، فإن زَوَّجَه بغيرِ إذْنِه فقال أصحابُنا: يَصِحُّ؛ لأنَّه عَقْدُ مُعاوَضَةٍ، فمَلَكَه الوَلِيُّ في حَقِّ المُوَلَّى عليه، كالبَيعِ، ولأنَّه مَحْجُوزٌ عليه، أشْبَهَ الصغيرَ والمجْنونَ. ويَحْتَمِلُ أن لا يَمْلِكَ تَزْويجَه بغيرِ إذْنِه؛ لأنَّه يَمْلِكُ الطَّلاقَ، فلم يُجْبَرْ على النِّكاحِ، كالرَّشِيدِ والعَبْدِ الكبيرِ، وذلك لأنَّ إجْبارَه على النِّكاحِ مع مِلْكِ الطَّلاقِ مُجَرَّدُ إضْرارٍ، فإنَّه يُطَلِّقُ فيَلْزَمُه الصَّداقُ مع فَواتِ النِّكاحِ، ولأنَّه قد يكونُ له غَرَضٌ في امْرَأةٍ، ولا يكونُ له في أُخْرِى، فإذا أُجْبرَ على مَن يَكْرَهُها لم تَحْصُلْ له المصلحةُ منها، وفاتَ عليه غرَضُه مِن الأخَرَى، فيَحْصُلُ مُجَرّدُ ضَرَرٍ مُسْتَغْنًى عنه. وإنَّما جازَ ذلك في حَقِّ المَجْنُونِ والطفْلِ، لعَدَمِ إمْكانِ الوُصُولِ إلى ذلك مِن قولِهما، ولا يَتَعَذَّرُ ذلك ههُنا، فوَجَبَ