الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، الحمد لله الذى منّ علينا بالأنبياء والرسل، ليرسموا لنا معالم الطريق إلى النجاة، فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت، وترى الناس سكارى، وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد.
وصلاة وسلاما على خير من أشرقت عليه الشمس منذ أن خلقها الله، خاتم الأنبياء والمرسلين، محمد صلى الله عليه وسلم المبعوث رحمة للعالمين.
أما بعد:
فإن أخبار السابقين وآثارهم ما تزال تحتل رأس الموضوعات الأكثر جاذبية لجموع الباحثين؛ لشغفهم بمعرفة ما كان فى حياتهم من جلائل الأعمال وما صادفهم فى حياتهم من معضلات، علّهم يهتدون بهم فى كيفية تعاملهم معها وتغلبهم عليها .. ولا يمل السّمّاع فى كل عصر من سماع تلك الأحداث، وبما فيها من أخبار الأجداد.
ومن هذا القبيل الكتاب الذى بين أيدينا:
«العقد الثمين فى تاريخ البلد الأمين»
لمؤلفه، الإمام تقى الدين أبى الطيب محمد بن أحمد الفاسى الحسنى المكى، إمام الحرم، المتوفى (سنة ٨٣٢ هـ) رحمه الله.
يعد هذا الكتاب المرجع الوافى لتراجم أعيان أهل مكة، ومن سكنها أو مات بها، من الصحابة والرواة والفقهاء والولاة والأعيان وغيرهم، فى مدة ثمانية قرون.
نهج المؤلف فى كتابه نهج السابقين من العلماء الذين أفردوا مصنفات خاصة لتراجم أهل بلد بذاته، كالخطيب البغدادى فى «تاريخ بغداد» وأبى القاسم بن عساكر فى «تاريخ دمشق» وأبى نعيم الأصفهانى فى «أخبار أصفهان» وعبد الكريم القزوينى فى «التدوين فى أخبار قزوين» والحاكم النيسابورى فى «تاريخ نيسابور» والشمس السخاوى فى «التحفة اللطيفة فى أخبار المدينة الشريفة» وغيرهم.
وللمؤلف ـ تقى الدين الفاسى ـ عناية خاصة بالتأريخ لمكة المشرفة، وترجمة أعلامها، ومن حلّ بها من أهل العلم والفضل مستكملا ما بدأه ـ عمدة مؤرخى البلد