وأنهى الضياء ما وقع من جماز إلى الدولة، فرسم بقتل جماز، فقتل لما حضر لخدمة المحمل، وبعد قتله نهبت دار الضياء بالمدينة.
وأخذ له دفين، وهو أربعمائة الف درهم فيما قيل، وغير ذلك. وكانت له بنت كبيرة تعلم حاله، فأوذيت حتى سعت فى هلاك نفسها، للراحة من العذاب.
وسكن الضياء بعد ذلك مكة، وتولى تدريس الحنفية، الذى قرره بمكة الأمير يلبغا الخاصكى الأتابكى، وباشره فى شوال سنة ثلاث وستين.
واستمر مستوطنا بمكة، حتى مات بها فى يوم الجمعة الخامس من ذى الحجة سنة ثمانين وسبعمائة، ودفن بالمعلاة، وقد جاوز الثمانين فيما بلغنى، وخلف تركة أحصيت بمائة ألف درهم ونيف وثلاثين الف درهم، منها مائة ألف نقد وثمن عروض، والباقى ديون له على الناس.
وكان عارفا بمذهبه وأصوله، مع مشاركة فى العربية وغيرها، وعنده لمذهبه عصبية مفرطة عيبت عليه، لما فيها من الغض من الإمام الشافعى وأتباعه.
وقد سمعت شيخنا الحافظ زين الدين العراقى يقول: إنه اجتمع مع الضياء هذا، فى بيع تركة كتب بمكة، فعرض منها كتاب من تواليف الخطيب البغدادى، فزاد فى ثمنه شيخنا الحافظ العراقى، فقال له الضياء: تشترى هذا الكتاب وتزيد فيه؟ . فقال له العراقى: وإيش فى هذا؟ فقال الضياء: الخطيب قد تكلم فى أبى حنيفة، فقال له العراقى: ما تكلم فيه، وإنما ذكر كلام الناس فيه.
هذا معنى ما سمعته من شيخنا الحافظ العراقى، وكثير من الحنفية يسيئون القول فى الخطيب، وأفرط بعضهم فى ذلك؛ لأنه بلغنى عن بعض الفضلاء من قضاة عصرنا الحنفية، ما معناه، أنه قال: وا عجبا لأهل الحديث، كيف يحتجون بالخطيب، وقاضى القضاة شمس الدين الحريرى قد أسقطه. انتهى.
فاعجب لهذا الزلل، ونسأل الله السداد فى القول والعمل.
[٣٩٨ ـ محمد بن محمد بن صالح بن إسماعيل، الكنانى المدنى، يلقب شمس الدين ابن شمس الدين]
ولد سنة سبعين وسبعمائة بالمدينة، ونشأ بها، وحفظ كتبا فى فنون من العلم، وقرأ
٣٩٨ ـ انظر ترجمته فى: (سير أعلام النبلاء ١٤/ ٣٧٢، الضوء اللامع ٩/ ٨٦).