قبل مروان بن محمد، فلقيهم وقتل أبو حمزة فى جماعة من أصحابه بمكة، فى سنة ثلاثين ومائة، وكان الذى قدم إلى مكة، عبد الله بن يحيى الكندى الأعور، الملقب طالب الحق، الثائر باليمن، فى عشرة آلاف، وقيل فى سبعمائة، وما ذكرناه من خبره، ملخّض مما ذكره أهل الأخبار، وقد ذكر خبره أبسط من هذا، غير واحد من أهل الأخبار، منهم ابن الأثير وغيره، فنذكر شيئا من ذلك لما فيه من الفائدة، قال ابن الأثير، فى أخبار سنة تسع وعشرين ومائة:
[ذكر أبى حمزة الخارجى وطالب الحق]
وفى هذه السنة: قدم أبو حمزة، وبلج بن عقبة الأزدى الخارجى من الحج، من قبل عبد الله بن يحيى الحضرمى طالب الحق محكما مظهرا للخلاف على مروان بن محمد، فبينما الناس بعرفة، ما شعروا إلا وقد طلعت عليهم أعلام وعمائم سود على رءوس الرماح، وهم سبعمائة، ففزع الناس حين رأوهم، وسألوهم عن حالهم، فأخبروهم بخلافة مروان وآل مروان، فراسلهم عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك، وهو يومئذ على مكة والمدينة، وطلب منهم الهدنة، فقالوا: نحن بحجّنا أضنّ، وعليه أشح، فصالحهم على أنهم جميعا آمنون بعضهم من بعض، حتى ينفر الناس النفر الأخير، فوقفوا بعرفة على حدة، ودفع بالناس عبد الواحد، فنزل بمنى فى منزل السلطان، ونزل أبو حمزة بقرن الثعالب، فأرسل عبد الواحد إلى أبى حمزة الخارجى، عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علىّ، ومحمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، وعبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبى بكر، وعبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، وربيعة بن أبى عبد الرحمن، فى رجال أمثالهم، فدخلوا على أبى حمزة وعليه إزار قطرىّ غليظ، فتقدمهم إليه عبد الله بن الحسن، ومحمد بن عبد الله، فنسبهما فانتسبا له، فعبس فى وجوههما، وأظهر الكراهة لهما، ثم سأل عبد الله بن القاسم، وعبيد الله بن عمر، فانتسبا له، فهش إليهما وتبسم فى وجوههما، وقال: والله ما خرجنا إلا لنسير بسيرة أبويكما، فقال له عبد الله بن الحسن: والله ما خرجنا لتفضل بين آبائنا، ولكن بعثنا إليك الأمير برسالة، وهذا ربيعة يخبركها.
فلما ذكر له ربيعة نقض العهد، قال أبو حمزة: معاذ الله أن ننقض العهد، أو نخيس به، والله لا أفعل ولو قطعت رقبتى هذه، ولكن تنقضى الهدنة بيننا وبينكم. فرجعوا إلى عبد الواحد فأخبروه، فلما كان يوم النفر الأول، نفر عبد الواحد فيه، وخلى مكة، فدخلها أبو حمزة بغير قتال، فقال بعضهم فى عبد الواحد [من الكامل]: