وصلى الله على سيدنا محمد وآل سيدنا محمد، وسلم تسليما كثيرا.
الحمد لله الذى أوسع لمن شاء من خلقه فى الرزق والأجل. وأسعف من أراد منهم بنيل الأمل. وأطاب عمن أحب منهم الثناء. وحكم على جميعهم ـ بعد الوجود ـ بالفناء.
أحمده على أن جعلنى من سكان الحرم، وجيران بيته المكرم.
وأشهد أن لا إله إلا الله الذى جعل للحسنة بمكة فى الفضل مزية، وخصها ببيته الذى أوجب حجه واستقباله على البرية، وغفر لمن طاف به من الأنام، ما اقترفه من الآثام.
وأشهد أن نبيه سيدنا محمدا أفضل من وقف بعرفة، وبات بمزدلفة، ورمى بمنى الجمار، وطاف بالكعبة العظيمة المقدار صلى الله عليه وسلم ما صلى مصل خلف المقام، وجمع فى الحجر الأسود بين التقبيل والاستلام، ورضى الله عن آله وأصحابه، الذين بهم أضاء الإسلام.
أما بعد: فإنى ـ لما وفقنى الله تعالى للاشتغال بالعلم ـ تشوفت نفسى كثيرا إلى معرفة تراجم الأعيان من أهل مكة وغيرهم، ممن سكنها مدة سنين، أو مات بها، وتراجم ولاة مكة، وقضاتها وخطبائها، وأئمتها ومؤذنيها، من أهلها وغيرهم، وتراجم من وسع المسجد الحرام أو عمره، أو عمر شيئا منه، أو من الأماكن الشريفة التى ينبغى زيارتها بمكة وحرمها، أو عمل المآثر الحسنة الكائنة بمكة وحرمها ـ كالمدارس، والربط، والسقايات، والبرك، والآبار، والعيون، والمطاهر، وغير ذلك من المآثر ـ لما فى معرفة ذلك من النفع التام، عند ذوى الأفهام.
وفتشت عن تأليف فى ذلك، فلم أر له أثرا، ولا سمعت عنه خبرا.
فعظم منى ـ لأجل ذلك ـ الألم، وسألت رب البيت والحرم: أن يسعفنى فيه ببلوغ المراد، وأن يوفقنى فيه للسداد.