فحمله القاضى شهاب الدين على رأسه، والرجل معه، إلى أن انتهوا إلى المنزل الذى نزل به القاضى شهاب الدين، فلما رآه أصحابه قاموا إليه وأكرموه، وعجبوا من فعله، فرأى ذلك الرجل الذى حمله العنب، فعجب وقال لهم: هذا حكموا مكة؟ ، فقالوا له: نعم؛ فخجل واعتذر إلى القاضى، وقال له: يا أخاه، ما عرفتك؟ ! فقال له القاضى شهاب الدين: ما جرى إلا خير، حملت شيئا مليحا لى ولأصحابى. هذا معنى ما بلغنى فى هذه الحكاية.
وبلغنى أنه سأل الملك الناصر لما حج فى سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة، عن المراسيم التى تصل إلى مكة من جهته، فقال له: كثير منها لا أعرفه، وذكر له الملك الناصر أمارة يعرف بها الصحيح من ذلك، وأن القاضى شهاب الدين قطع بسبب ذلك نيفا وأربعين مرسوما.
واتفق له بحضور الملك الناصر قضية تدل على وفور عقله، وهى أنه اجتمع فى الكعبة مع الملك الناصر، وشخص من أعيان الدولة يقال له ابن هلال الدولة، فقال ابن هلال الدولة للملك الناصر: يا مولانا السلطان، هذه الأساطين ـ يعنى السوارى التى فى جوف الكعبة ـ من سفينة نوح عليه السلام. فقال الملك الناصر للقاضى شهاب الدين: هذا صحيح؟ فقال له القاضى شهاب الدين: كذا قيل. فعرف الملك الناصر أنه أراد الستر، وأن لا يظهر لابن هلال الدولة منه سوء، فعاتبه ابن هلال الدولة بعد ذلك على كونه لم يصرح بتصديقه، وقال له: هؤلاء ملوك، ولا بد من الترويج عليهم فى القول.
وبلغنى أن القاضى شهاب الدين، أهدى للملك الناصر تمرا وكعكا فى أطباق من الخوص، فاستحسن ذلك منه الملك الناصر، وقال: هذا قاض فقير.
ولما مات القاضى شهاب الدين خلف دنيا طائلة جدا، يقال إن منها مائة وخمسين دارا بمكة، ولكن لم يبارك فى تركته؛ لأنه كان فيما قيل، يعامل بالفائدة، ويتحيل عليها بعقد معاوضة بيع وشبهه كما يصنع الناس قديما وحديثا، ولا تخفى على الله خافية، سبحانه وتعالى.
[٦٤٨ ـ أحمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن على بن محمد بن الحسن القيسى، يلقب بالشرف وبالمجد، بن الأمين بن القطب بن أبى العباس القسطلانى]
أجاز له مع أخويه زين الدين محمد، ونور الدين على، من مصر: جدهم قطب الدين