وقد أشار إلى الترجيح بذلك جماعة، منهم: النووى، رحمهم الله.
وأقرب ما قيل فى الجمع بين الاختلاف فى إثبات صلاة النبى صلى الله عليه وسلم فى الكعبة ونفيها، أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى فى الكعبة لما غاب عنه أسامة من الكعبة لأمر ندبه إليه، وهو: أن يأتى بما يمحو به الصور التى كانت فى الكعبة؛ لأن فى مسند الطيالسى ـ من حديث أسامة ابن زيد ـ: أنه «أتى النبى صلى الله عليه وسلم بدلو من ماء، فجعل يمحو به الصور» وإسناد الطيالسى فيه تقوم به الحجة، فلذلك كان هذا الوجه أقرب ما قيل فى الجمع بين هذا الاختلاف.
ويجمع أيضا بين حديث بلال والفضل بمثل هذا الجمع؛ لأن النبى صلى الله عليه وسلم بعث الفضل ـ بعد دخوله معه إلى الكعبة ـ ليأتيه بما يطمس به الصور التى فى الكعبة على ما قيل. فصلى النبى صلى الله عليه وسلم فى غيبته.
وهذا رويناه فى تاريخ الأزرقى عن عبد المجيد بن أبى رواد عن الزهرى.
وحديث بلال أرجح من حديث عبد الله بن عباس رضى الله عنهما؛ لأن بلالا رضى الله عنه شهد صلاة النبى صلى الله عليه وسلم فى الكعبة، وابن عباس رضى الله عنهما لم يشهدها، وإنما اعتمد فى نفيها على أخيه، وأسامة رضى الله عنهما. والله أعلم.
وأما عدد دخوله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة بعد هجرته: فروينا فيه أخبارا يتحصل من مجموعها دخوله إليها أربع مرات يوم فتح مكة. وهذا لا ريب فى صحته.
وفى ثانية، كما هو مقتضى حديث ابن عمر رضى الله عنهما، وحديث أسامة رضى الله عنه، الذى جمع به ابن ماجة.
وفى حجه الوداع، كما هو مقتضى حديث عائشة رضى الله عنها. وسيأتى ذكره قريبا فى أول الباب الذى بعده.
وفى عمرة القضية، كما يقتضيه كلام المحب الطبرى. وفى صحة ذلك نظر.
وأما أول وقت دخل فيه النبى صلى الله عليه وسلم الكعبة بعد هجرته: فيوم فتح مكة.
وقد نقل الأزرقى عن جده عن سفيان بن عيينة عن غير واحد من أهل العلم، سمع منهم: يذكرون «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما دخل الكعبة مرة واحدة عام الفتح، ثم حج ولم يدخلها». انتهى.
وهذا يدل على أنه لم يدخل فى ثانى الفتح، ولا فى حجة الوداع. والله أعلم.
* * *