حصلنا مما أوضحه الأزرقى واتفق عيه المؤرخون الآخرون: أن الكعبة بنيت عشر مرات وهى بناية الملائكة، بناية آدم، بناية شيت، بناية إبراهيم وإسماعيل، بناية العمالقة، بناية جرهم، بناية قصى، بناية قريش، بناية ابن الزبير، بناية الحجاج.
قلنا: وقد بنيت للمرة الحادية عشر عام ١٠٣٩ هجرية فى عهد السلطان مراد بن السلطان أحمد، من سلاطين آل عثمان، وإلى القارئ تفصيل نبأ هذه البناية: ذكر الأسدى أنه: حصل فى أوائل القرن الحادى عشر تشقق بالجدار الشامى ازداد عام ١٠١٩، حيث وقع مطر بمكة، جاء على أثره السيل، فدخل المسجد الحرام، فانهلت مياه الأمطار إلى داخل الكعبة من سطحها، وأصاب الجدارين الشرقى والغربى وجدران الحجر تصدع، فأراد السلطان أحمد بن السلطان محمد هدم البيت الشريف، وجعل هذه الجدران حجارة الكعبة المعظمة ملبسة واحدا بالذهب وواحدا بالفضة، فمنعه العلماء من ذلك وقالوا له: يمكن حفظ بنطاق يلم هذا التشعث، فعمل لها نطاقا من النحاس الأصفر مغلفا بالذهب، ورجى تركيبه فى أواخر عام ١٠٢٠ وأوائل عام ١٠٢١، وقد انفق عليه نحو ثمانين ألف دينار.
وفى الساعة الثانية من صباح يوم الأربعاء التاسع عشر من شهر شعبان عام ١٠٣٩، وقع مطر عظيم بمكة المكرمة وضواحيها لم يسبق له مثيل؛ ونزل معه برد كثير ثم جرى السيل فى وادى إبراهيم فيما بين العصرين، فجرف ما وجده أمامه من البيوت والدكاكين والأخشاب والأتربة، ودخل بها بيت الله الحرام. وبقى السيل إلى قريب العشاء، فبلغ الماء إلى طوق القناديل المعلقة حول المطاف، ودخل الكعبة المشرفة بارتفاع مترين عن قفل باب الكعبة.
وفى صباح اليوم التالى: فتحت سراديب باب إبراهيم فانسابت المياه منها إلى أسفل مكة. وأحصى من مات فى السيل المذكور فكانوا نحو ألف نسمة.
وفى عصر اليوم المذكور ـ أى يوم الخميس ـ: سقط الجدار الشامى من الكعبة بوجهيه وانجذب معه من الجدار الشرقى إلى حد الباب الشامى، ولم يبق سواه وعليه قوام الباب، ومن الجدار الغربى من الوجهين نحو السدس، ومن هذا الوجه الظاهر فقط
(١) انظر: (أخبار مكة للأزرقى، ملحقاته، ١٠/ ٣٥٥ ـ ٣٧٣).