للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يكسب فيها من شعب فى الجبل، ثم شقّ من البركة عينا تخرج إلى المسجد الحرام، تجرى فى قصب من رصاص، حتى أظهره من فوّارة تسكب فى فسقيّة من رخام بين زمزم والمقام، فلما جرت وظهر ماؤها أمر القسرىّ بجزور فنحرت بمكة، وقسّمت بين الناس، وعمل طعاما دعى إليه الناس، ثم أمر صائحا فصاح: «الصلاة جامعة»، وأمر بالمنبر فوضع فى وجه الكعبة، ثم صعد فحمد الله وأثنى عليه، وقال: «أيها الناس: احمدوا الله، وادعوا لأمير المؤمنين الذى سقاكم الماء العذب الزلال النقاخ».

فكانت تفرغ تلك الفسقية فى سرب من رصاص يخرج إلى موضع وضوء كان عند باب الصفا، وفى بركة كانت فى السوق، وكان الناس لا يقفون على تلك الفسقيّة، ولا يكاد أحد يقربها، وكانوا على شرب ماء زمزم أحرص، وفيه أرغب، فصعد خالد المنبر، وأنّب الناس وأقذع فى كلامه.

فلم تزل البركة حتى هدمها داود بن على بن عبد الله بن عباس (١) فى خلافة أبى العباس السفّاح وصرف العين إلى بركة بباب المسجد، وبقى السرب من الرصاص حتى قدم بشر الخادم من بغداد إلى مكة فى سنة ست وخمسين ومائتين فعمل القبة بجانب الشراب، وأخرج قصب خالد فجعلها فى سرب الفوّارة التى يخرج منها الماء إلى حياض زمزم، فتصب فى هذه البركة.

* * *

[هشام بن عبد الملك بن مروان]

استخلف بعد موت أخيه يزيد بن عبد الملك لليال بقين من شعبان سنة خمس ومائة، فقام فى الخلافة تسع عشرة سنة وتسعة أشهر وأحد وعشرين يوما، وقيل ثمانية أشهر ونصف.

وحجّ فيها مرة واحدة سنة ست ومائة، وكتب له أبو الزناد (٢) سنن الحج، قال أبو الزناد: «لقيت هشاما، فإنى لفى الموكب إذ لقيه سعيد بن عبد الله بن الوليد بن عثمان، فسار إلى جنبه، فسمعته يقول له: يا أمير المؤمنين، إن الله لم يزل ينعم على أهل بيت أمير المؤمنين، وينصر خليفته المظلوم، ولم يزالوا يلعنون فى هذه المواطن أبا تراب، فإنها مواطن صالحة، وأمير المؤمنين ينبغى له أن يلعنه فيها؛ فشق على هشام قوله، وقال: ما


(١) انظر: (تهذيب ابن عساكر ٥/ ٢٠٣، المحبر ٢٣، ميزان الاعتدال ١/ ٣٢١، الطبرى ٩/ ١٤٧، الأعلام ١/ ٢٣٣).
(٢) انظر: (تذكرة الحفاظ ١/ ١٢٦، تهذيب ابن عساكر ٧/ ٣٨٢، الأعلام ٤/ ٨٥، ٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>