ثم جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المسجد، فقام إليه على بن أبى طالب رضى الله عنه، ومفتاح الكعبة فى يده، فقال: يا رسول الله: اجمع لنا الحجابة مع السقاية صلى الله عليك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أين عثمان بن طلحة؟ فدعى له، فقال: هاك مفتاحك يا عثمان، إن اليوم يوم بر ووفاء. وأمر النبى صلى الله عليه وسلم بلالا أن يؤذن.
وكان أبو سفيان بن حرب، وعتاب بن أسيد، والحارث بن هشام جلوسا بفناء الكعبة، فقال عتاب بن أسيد: لقد أكرم الله أسيد: أن لا يكون سمع هذا، فيسمع منه ما يغيظه.
وقال الحارث بن هشام: أما والله لو أعلم أنه بحق لاتبعته. فقال أبو سفيان: لا أقول شيئا لو تكلمت لأخبرت عنى هذه الحصا. فخرج عليهم النبى صلى الله عليه وسلم فقال: قد علمت الذى قلتم، ثم ذكر ذلك لهم، فقال الحارث وعتاب: نشهد أنك رسول الله، والله ما اطلع على هذا أحد كان معنا، فنقول: أخبرك.
ولما طاف النبى صلى الله عليه وسلم يوم الفتح على راحلته كان حول البيت أصنام مشددة بالرصاص، فجعل النبى صلى الله عليه وسلم يشير بقضيب فى يده إلى الأصنام، ويقول: جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا. فما أشار إلى صنم منها فى وجهه إلا وقع لقفاه، ولا أشار لقفاه إلا وقع لوجهه حتى ما بقى منها صنم إلا وقع. فقال يميم بن أسد الخزاعى:
وفى الأصنام معتبر وعلم ... لمن يرجو الثواب أو العقاب
وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد فتحها خمس عشر ليلة يقصر الصلاة، وكان فتح مكة لعشر ليال بقين من شهر رمضان سنة ثمان من الهجرة.
وخبر فتح مكة أكثر مما ذكرناه، وما ذكرناه ملخص مختصر مما ذكره أبو إسحاق فى سيرته، بعضه بالمعنى وكثير منه باللفظ.
وأما الفوائد المتعلقة بخبر فتح مكة: فإن بعضها يخالف ما ذكره ابن إسحاق وابن هشام من خبر الفتح، وبعضها يوضح بعض ما أبهماه فى ذلك.
فمنها: أنا الفاكهى، قال: الوتير: ماء بأسفل مكة، فى المشرق عن يمين ملكان على ستة أميال منها.
وهذا بيّن الوتير أكثر مما فى كلام ابن إسحاق.
ومنها: أن ابن أبى عقبة ذكر فى مقارنة ما يقتضى أن إغارة بنى كنانة على خزاعة التى هى سبب فتح مكة، كانت بعرفة.