وأخذ الناصر فى ظلم الرعية وأخذ أموالهم، والانهماك فى اللعب، واستدعى عمه الملك الأشرف شاه أرمن موسى، فقدم عليه من الشرق وحكّمه فى المملكة، فآل الأمر أن حاصر الملك الكامل دمشق حتى أخذ الناصر، وعوضه عن دمشق بالكرك والشوبك والصلت والبلقاء والأغوار جميعها، ونابلس وأعمال القدس وبيت جبريل، وكانت هذه الأعمال يومئذ عامرة جليلة القدر، ثم نزل الناصر عن الشوبك لعمه الكامل، وتسلم الكامل دمشق أول شعبان سنة ست وعشرين.
فأقام الناصر بالكرك، وكانت له قصص وأنباء، ذكرتها فى «التاريخ الكبير المقفى»، آلت به أن تشتت فى البلاد، وموته فى إحدى قرى دمشق يوم السادس والعشرين من جمادى الأولى سنة ست وخمسين وستمائة، فدفن بصالحية دمشق.
وحجّ فى سنة ثلاث وخمسين وستمائة، وسبب حجه أنه لما تنكّر له الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل (١)، بعث إليه الأمير فخر الدين يوسف بن شيخ الشيوخ صدر الدين بن حمويه على العساكر، فهزمه وأوقع الحوطة على بلاده، ونازل الكرك حتى طلب منه الأمان فرحل عنه وقد ضاقت الأمور بالناصر، فخرج إلى حلب ومعه جواهر جليلة قيمتها ما ينيف على مائة ألف دينار، فبعثها إلى الخليفة المستعصم بالله ببغداد، لتكون عنده وديعة، فقبضت من رسوله، وكتب الخط الشريف بقبضها، فشقّ ذلك على أولاده، وخرجوا عن طاعته، ولحق بعضهم بالملك الصالح نجم الدين أيوب بمصر، وسلمه الكرك.
فجرت أمور آلت بالناصر إلى مسيره إلى بغداد لطلب وديعته، فمنعه الخليفة من الدخول إليها، ومطله بالجوهر، لما أيس من ذلك سار إلى مكة من طريق العراق، وحجّ، فلما قدم المدينة النبوية تعلق بأستار الحجرة بحضرة الناس، وقال: «اشهدوا أن هذا مقامى من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ داخلا عليه، مستشفعا به إلى ابن عمه المستعصم فى أن يرد علىّ وديعتى، فأعظم الناس ذلك، وجرت عبراتهم، وارتفع ضجيجهم بالبكاء، وكتب بصورة ما جرى مكتوب فى يوم السبت ثامن عشر من ذى الحجة، وتسلمه أمير حاج العراق، ومضى الناصر معه إلى بغداد، فعوّض عن الجوهر بشيء تافه، وعاد إلى الشام مقهورا.
* * *
(١) انظر: (خطط المقريزى ٢/ ٢٣٦، ابن إياس ١/ ٩٦، السلوك ١/ ٢٩٦. ٣٤٢، تاريخ الإسحاقى ١٨٩).