روى عن جده وأخيه الحسين وأبيه علىّ، وعهد إليه بالخلافة لما طعن، وبايعه على ذلك أزيد من أربعين ألفا، وبقى على ذلك نحو سبعة أشهر بالعراق، وما وراءها من خراسان، وبالحجاز واليمن، وغير ذلك، ثم ترك الأمر لمعاوية رضى الله عنه لحقن دماء المسلمين، وقام فى الناس خطيبا بالكوفة. فقال: الحمد لله الذى هدى بنا أولكم، وحقن بنا دماء آخركم، ألا إن أكيس الكيس التقى، وأعجز العجز الفجور، وإن هذا الأمر، الذى اختلفت فيه أنا ومعاوية، إما أن يكون حقى فتركته لله عزوجل، ولصلاح أمة محمدصلى الله عليه وسلم، وحقن دمائهم، ثم التفت إلى معاوية. فقال:(وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ)[الأنبياء: ١١١]. وكان معاوية رضى الله عنه، سأله أن يخطب فى الناس بذلك، بتقرير عمرو بن العاص رضى الله عنه، ليظهر عليه للناس فى ظنه، وظهرت بهذه القضية معجزة للنبى صلى الله عليه وسلم، بسبب الحسن رضى الله عنه، فإنه قال:«إن ابنى هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين»(١) وبعد تمام الصلح، خرج الحسن رضى الله عنه إلى المدينة، بعد أن أخذ ما فى بيت مال الكوفة، وكان فيه سبعة آلاف ألف درهم. وعلى ذلك وقع الصلح، وعلى أن لا يسبّ علىّ رضى الله عنه بحضرة معاوية، وأن يعهد بالأمر للحسن من بعده.
وتوفى فى سنة تسع وأربعين، وقيل سنة خمسين، وقيل سنة إحدى وخمسين بالمدينة. ودفن بالبقيع وقبره مشهور هناك فى قبة عالية، وسبب موته فيما قيل: سم سقيه ليخلص الأمر بعده ليزيد بن معاوية، وكان سقيه ثلاث مرات، هذه أشدها.
وكان رضى الله عنه سيدا حليما فاضلا عفيفا ورعا جوادا، وقاسم الله تعالى ماله ثلاث مرات، وخرج من ماله كله مرتين. وربما أعطى الرجل الواحد مائة ألف.
وكان النبى صلى الله عليه وسلم، يحبه ويحب أخاه الحسين رضى الله عنهما. وأخبر أن من أحبهما وأباهما وأمهما، كان معه بدرجته يوم القيامة. وكان النبى صلى الله عليه وسلم يحملهما ويماز حهما. وكانا يشبهان النبى صلى الله عليه وسلم. وكان الحسن رضى الله عنه، أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الصدر إلى الرأس، والحسين رضى الله عنه أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين ذلك، ومناقبهما رضى الله عنهما كثيرة.
(١) أخرجه البخارى فى صحيحه كتاب الصلح حديث رقم (٢٧٠٤)، وكتاب المناقب حديث رقم (٣٦٢٩، ٣٧٤٦)، والترمذى فى سننه كتاب المناقب حديث رقم (٣٦٢٩)، والنسائى فى الصغرى كتاب الجمعة حديث رقم (١٤١٠)، وأبو داود فى سننه كتاب السنة حديث رقم (٤٦٦٢)، وأحمد فى المسند بمسند البصريين حديث رقم (١٩٨٧٩، ١٩٩٨٦).