السوق. قال: فكان الناس لا يقفون على تلك الفسقية، ولا يكاد واحد يأتيها. وكانوا على شرب ماء زمزم أرغب ما كانوا فيها، قال: فلما رأى ذلك القسرى صعد المنبر، فتكلم بكلام يؤنّب فيه أهل مكة.
فلم تزل تلك البركة على حالها، حتى قدم داود بن على بن عبد الله بن عباس ـ رضوان الله عليهم ـ مكة، حين أفضت الخلافة إلى بنى هاشم، فكان أول ما أحدث بمكة، هدمها، ورفع الفسقية وكسرها، وجرف العين إلى بركة كانت بباب المسجد. قال: فسر الناس بذلك سرورا عظيما حين هدمت. انتهى.
وذكر الفاكهى أخبارا عن خالد القسرى يحسن ذكرها أيضا. ونص ما ذكره: وكان من ولاة مكة من غير قريش، رجال من أهل اليمن، منهم خالد بن عبد الله القسرى، وليها للوليد بن عبد الملك، ثم أقره سليمان عليها حين ولى زمانا، فأحدث أشياء بمكة، منها ما ذمه الناس عليه، ومنها ما أخذوا به، فهم عليه إلى اليوم.
فأما الأشياء التى تمسكوا بها من فعله، فالتكبير فى شهر رمضان حول البيت، وإدارة الصف حول البيت، والتفرقة بين الرجال والنساء فى الطواف، والثريد الخالدى.
وأما الأشياء التى ذموه عليها: فعمله البركة عند زمزم والركن والمقام، لسليمان بن عبد الملك، والحمل على قريش بمكة، وإظهار العصبية عليهم. وكان هو أول من أظهر اللعن على المنبر بمكة فى خطبته.
فحدثنى عبد الله بن أحمد بن أبى مسرة، قال: حدثنا يوسف بن محمد العطار، عن داود بن عبد الرحمن العطار، إن شاء الله تعالى، قال: كان خالد بن عبد الله القسرى فى إمرته على مكة، فى زمن الوليد بن عبد الملك، يذكر الحجاج فى خطبته كل جمعة إذا خطب ويقرظه. فلما توفى الوليد وبويع لسليمان بن عبد الملك، أقر خالدا على مكة، وكتب إلى عماله يأمرهم بلعن الحجاج بن يوسف. فلما أتاه الكتاب، قال: كيف أصنع! . كيف أكذب نفسى فى هذه الجمعة بذمه، وقد مدحته فى الجمعة التى قبلها؟ ما أدرى كيف أصنع؟ فلما كان يوم الجمعة خطب، ثم قال فى خطبته: أما بعد، أيها الناس، إن إبليس كان من ملائكة الله فى السماء وكانت الملائكة ترى له فضلا بما يظهر من طاعة الله وعبادته، وكان الله عزوجل قد اطّلع على سريرته، فلما أراد أن يهتكه أمره بالسجود لآدم عليه السلام، فامتنع، فلعنه وإن الحجاج بن يوسف، كان يظهر من طاعة الخلفاء، ما كنا نرى له بذلك علينا فضلا، وكنا نزكّيه، وكان الله قد أطلع سليمان أمير المؤمنين من سريرته وخبث مذهبه، على ما لم يطلعنا عليه. فلما أراد الله