والحديث مخرج فى الكتب المشهورة: الصحيحان، والسيرة لابن إسحاق، وفيها زيادة فى خبر سراقة، فنذكر ذلك لما فيه من الفائدة.
قال: فحدثنى محمد بن مسلم، عن عبد الرحمن بن مالك بن جعشم، عن عمه سراقة ابن جعشم، قال: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة مهاجرا، جعلت فيه قريش مائة ناقة، لمن رده عليهم، وذكر حديث طلبه وما أصاب فرسه، وأنه سقط عنه ثلاث مرات، قال: فلما رأيت ذلك، علمت أنه ظاهر، فناديت: أنا سراقة بن مالك بن جعشم، أنظرونى أكلمكم، فو الله لا أريبكم ولا يأتيكم منى ما تكرهونه، فقال رسول اللهصلى الله عليه وسلم، لأبى بكر ـ رضى الله عنه:«قل له ما تبتغى منا؟ » فقال لى أبو بكر، فقلت: تكتب لى كتابا يكون آية بينى وبينك، فكتب لى كتابا، فى عظم أو فى رقعة أو فى خرقة، فألقاه وأخذته فجعلته فى كنانتى، فرجعت ولم أذكر شيئا مما كان، حتى إذا فتح الله على رسوله مكة، وفرغ من حنين والطائف، خرجت ومعى الكتاب لألقاه، فلقيته بالجعرانة، فدخلت فى كتيبة من خيل الأنصار، فجعلوا يقرعوننى بالرماح، ويقولون: إليك، ماذا تريد؟ حتى إذا دنوت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته، والله لكأنى أنظر إلى ساقه فى غرزه كأنها جمارة، فرفعت يدى بالكتاب، ثم قلت: يا رسول الله هذا كتابك، وأنا سراقة بن مالك بن جعشم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«هذا يوم وفاء وبرّ، ادنه، فدنوت منه، فأسلمت. وذكر حديث سؤاله عن ضالة الإبل. انتهى.
وخبر لبس سراقة سوارى كسرى، وإخبار النبى صلى الله عليه وسلم بذلك، ذكره ابن عبد البر بزيادة فائدة، قال: وروى سفيان بن عيينة، عن أبى موسى، عن الحسن، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لسراقة بن مالك: «كيف بك إذا لبست سوارى كسرى؟ » فلما أتى عمر ـ رضى الله عنه ـ بسوارى كسرى ومنطقته وتاجه، دعا سراقة بن مالك ـ رضى الله عنه ـ فألبسه إياهما. وكان سراقة رجلا أزبّ، كثير شعر الساعدين. وقال له:«ارفع يديك».
فقال:«الله أكبر، الحمد لله الذى سلبهما كسرى بن هرمز، الذى كان يقول: أنا ربّ الناس». وكان سراقة بن مالك بن جعشم، شاعرا مجيدا، وهو القائل لأبى جهل (١)[من الطويل]:
أبا حكم والله لو كنت شاهدا ... لأمر جوادى إذ تسوخ قوائمه
علمت ولم تشكك بأن محمدا ... رسول ببرهان فمن ذا يقاومه