وذكره ابن عبد البر فى فقهاء مكة، من أصحاب ابن عباس وقال: كان فقيها خيرا نبيلا فاضلا، إلا أنه سكن الكوفة، وهو معدود فى الكوفيين. انتهى.
وروى عن عمرو بن ميمون عن أبيه قال: لقد مات سعيد بن جبير، وما على وجه الأرض أحد إلا وهو محتاج إلى علمه. انتهى.
وقد أثنى عليه ابن عباس بالعلم؛ لأنه روى عن جعفر بن أبى المغيرة: كان ابن عباس إذا أتاه أهل الكوفة يستفتونه، يقول: أليس فيكم ابن أم الدهماء؟ يعنى سعيد بن جبير.
وكان مع ما رزقه من وفور العلم، وافر الحظ فى العبادة.
روى عن هلال بن يساف، قال: دخل سعيد الكعبة، فقرأ القرآن فى ركعة. وروى الحسن بن صالح عن وفا، قال: كان سعيد بن جبير، يختم القرآن فيما بين المغرب والعشاء، فى شهر رمضان. زاد غيره: وكانوا يؤخرون العشاء. وروى عبد الملك بن أبى سليمان، عن سعيد بن جبير، أنه كان يختم القرآن فى كل ليلتين، ورويت له كرامات.
منها: أنه قال لديك له: قطع الله صوتك، فما سمع له صوت. وإنما قال له ذلك؛ لأنه كان يقوم من الليل بصياح الديك، فلم يصح فى بعض الليالى حتى أصبح. فلم يصل سعيد تلك الليلة، فشق عليه، فقال ما سبق.
ومنها: أن رسل الحجاج لما أخذوه، أتوا به دير راهب، دلّهم على سعيد؛ لأن الليل أدركهم، فسألوه أن يصعد معهم فأبى، فتركوه بعد أن التزم لهم أن لا يهرب. وكان يأوى إلى الدير فى الليل، لبؤة وأسد، ولأجلهما نام فى الدير رسل الحجاج. فلما دنت اللّبؤة من سعيد، تحككت به وتمسحت به، ثم ربضت قريبا منه. وأقبل الأسد فصنع مثل ذلك.
ومنها: أن الحجاج حين أمر بذبح سعيد، قال سعيد: اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدى، فلم يقتل بعده إلا واحدا، على ما قال سفيان بن عيينة.
ومنها: أنه لما بان رأسه قال: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، ثم قالها الثالثة فلم يتمها.
ومنها على ما قيل: إن الحجاج عاش بعده خمس عشرة ليلة، ووقعت الأكلة فى بطنه، فدعا بالطبيب لينظر إليه، فنظر إليه، ثم دعا بلحم منتن فعلقه فى خيط، ثم أرسله فى حلقة، فتركه ساعة ثم استخرجه، وقد لزق به من الدم، فعلم أنه ليس بناج. ويقال إنه كان ينادى بقية حياته: ما لى ولسعيد بن جبير، كلما أردت النوم أخذ برجلى.