المشاهد مع النبى صلى الله عليه وسلم، وشهد غزوة مؤتة واليرموك، وفتح مصر وأفريقية، ولم يشهد حروب علىّ رضى الله عنه، لإشكالها عليه، ثم ندم على ذلك، وأريد على المبايعة بعد عثمان، فأبى، لتوقع قتال، وقال: لو اجتمع علىّ أهل الأرض إلا أهل فدك ما قاتلتهم.
وكان مولعا بالحج والعمرة، يقال: إنه حج ستين حجة، واعتمر ألف عمرة.
وكان من أهل العلم والورع، كثير الاتباع لآثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، شديد التحرى والاحتياط، والتوانى فى فتواه، وأفتى فى الإسلام ستين سنة.
وكان كثير الصوم والصدقة، ربما يتصدق فى المجلس الواحد بثلاثين ألفا.
وكان إذا اشتد عجبه بشيء من ماله، تقرب به إلى الله عزوجل، ويقال إنه أعتق ألف رقبة، وشهد له النبى صلى الله عليه وسلم بالصلاة. وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم حديثا كثيرا.
روى عنه: بنوه وحفدته، وجماعة.
وتوفى بعد ابن الزبير بثلاثة أشهر، وقيل ستة أشهر. وذلك فى سنة ثلاث وسبعين. قاله أبو نعيم، وأحمد بن حنبل وغيرهما. وقيل مات سنة أربع وسبعين، قاله الواقدى، وكاتبه ابن سعد، وخليفة بن خياط، وغير واحد، ومنهم: ابن زبر. وقال: إنه أثبت، وخطأ أبا نعيم فى قوله، وعلل ذلك بأن رافع بن خديج مات سنة أربع وسبعين، وابن عمر حى، وحضر جنازته.
ولم يختلفوا فى أنه توفى بمكة، واختلفوا فى موضع قبره، فقيل: بذى طوى فى مقبرة المهاجرين، وقيل: بالمحصب. وقال بعض الناس: بفخ، وهو وادى الزاهر فيما قيل. وهو بفاء وخاء معجمة، والصحيح أنه دفن بالمقبرة العليا عند ثنية أذاخر، كما فى تاريخ الأزرقى وغيره، وهو يقرب من قول من قال: إنه دفن بالمحصب، ولا يصح بوجه ما يقوله الناس، من أنه مدفون بالجبل الذى بالمعلاة.
وقد أوضحنا ذلك أكثر من هذا، فى تآليفنا التى هى على نمط تاريخ الأزرقى. والله أعلم.
وكان أوصى أن يدفن فى الحل، فلم يقدر على ذلك من أجل الحجاج، وهو السبب فى موته؛ لأن شخصا زجه بأمره برمح مسموم فى رجله؛ لأن ابن عمر كان يتقدم عليه فى المناسك، وينكر عليه ما يقع منه. وصلى عليه الحجاج. وكان له من العمر، أربع وثمانون سنة، وقيل: ست وثمانون.