وكان على ما ذكر ابن أبى خيثمة، شعف بسلامة [ .... ](١) وله فيها أشعار كثيرة، ثم تاب ورجع إلى عبادته الأولى فى كثرة العبادة، ثم اشتريت له من مولاها، فلم يقبلها، وقال: إن اليمين قد سبقت، أن لا نجتمع فى بيت أبدا.
وذكر ابن أبى خيثمة: أنه نزل مكة، وأنه كان من عبّاد أهلها.
وذكر الفاكهى شيئا من أخبار القس هذا ومحبوبته، يحسن ذكره هاهنا. ونص ما ذكره: حدثنى محمد بن عبيد الأموى أبو بكر، عن خلاد بن يزيد، قال: سمعت شيوخا من أهل مكة، منهم سليمان يذكرون أن القس كان عند أهل مكة من أحسنهم عبادة وأظهرهم تبتلا، وأنه مر يوما بسلامة ـ جارية كانت لرجل من قريش، وهى التى اشتراها يزيد بن عبد الملك ـ فسمع غناءها، فوقف يستمع، فرآه مولاها، فدنا منه، فقال: هل لك أن تدخل فتستمع؟ فتأبى عليه، فلم يزل به حتى تسمح، فقال: أقعدنى فى موضع لا أراها ولا ترانى، قال: أفعل، فدخل، فتغنت فأعجبته، فقال مولاها: هل لك أن أحولها إليك؟ فتأبى، ثم سمح.
فلم يزل يسمع غناءها حتى شغف بها، وعلم بذلك أهل مكة. فقالت له يوما: أنا والله أحبك، وأحب أن أضع فمى على فمك. قال: وأنا والله. قالت: وأحب والله أن ألصق صدرى بصدرك، وبطنى ببطنك. قال: وأنا والله. قالت: فما يمنعك؟ والله إن الموضع خال. قال: إنى سمعت الله عزوجل يقول: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)[الزخرف: ٣] وأنا أن يكون خلة ما بينى وبينك، تؤول بنا إلى عداوة يوم القيامة. قالت: يا هذا، أتحسب أن ربى وربك لا يقبلنا إن نحن تبنا إليه؟ قال: بلى، ولكن لا آمن أن أفجا، ثم نهض وعيناه تذرفان، فلم يرجع بعد، وعاد إلى ما كان عليه من النسك.
وقال الفاكهى أيضا: وحدثنى أبو محمد عبد الله بن عمرو بن أبى سعد، قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن إسحاق البلخى قال: ثنا محمد بن عبد الله بن عبيد الله بن أبى مليكة، عن أبيه، عن جده، قال: دخل عبد الله بن أبى عمار ـ وهو يومئذ شيخ أهل الحجاز ـ على نخاس فى حاجة له. قال: فألفاه يعرض قينة، فعلقها، فاشتهر بذكرها، حتى مشى عطاء، وطاوس ومجاهد، فأقبلوا عليه باللوم والعدل، فأنشأ يقول:
يلومنى فيك أقوام أجالسهم ... فما أبالى أطار اللوم أو وقعا