وكان ظهور رتن، بعد انخرام القرن الذى أخبر النبى صلى الله عليه وسلم بانخرامه، بنحو خمسمائة سنة؛ لأنه ظهر فى حدود سنة ستمائة من الهجرة أو بعدها. وقد اتضح بهذا بطلان دعواه من حيث النقل، وهى باطلة أيضا من حيث العقل، فإن البلاد التى ظهر منها، لم يزل أهلها كفارا، حتى فتحت فى أول القرن الخامس، على يد السلطان محمود بن سبكتكين، ويؤيد ذلك، أنه لم يظهر له خبر إلا بعد فتحها بنحو مائتى سنة. فمن المحال أن يكون فيها صحابى، ويخفى خبره هذه المدة. وزعم رتن، أنه قدم على النبى صلى الله عليه وسلم عند انشقاق القمر، وصحبه، وسمع منه. وقد ألف فى بيان كذبه: الشريف المحدث شمس الدين لأبو المحاسن محمد بن على بن حمزة الحسينى الدمشقى تأليفا، ألفيته بخطه فى عدة أوراق سماه «الجواب عن الشيخ النجدى رتن الهندى».
وأراد بالشيخ النجدى: الشيطان؛ لأن الشيطان أتى فى صورة شيخ نجدى إلى قريش بمكة، لما اجتمعوا فى إبرام سوء أرادوه فى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأظن أن لبعض الناس تأليفا فى أمر رتن سماه «كسر وثن رتن». وقد ذكره المحدث المقرى أبو عبد الله محمد بن جابر الوادياشى، فى بيت له، ذيل به على بيتى الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد السلفى. فأما بيتا السلفى، فهما اللذان ذكر فيهما الواهين من الرواة [من الطويل]:
حديث ابن نسطور ويسر ويغنم ... وقول أشج الغرب بعد خراش
ونسخة دينار وأخبار تربه ... أبى هدبة القيسى شبه فراش
وأما بيت الوادياشى، فهو هذا [من الطويل]:
رتن ثامن والماردينى تاسع ... ربيع بن محمود وذلك فاشى
وقد رواه عن الوادياشى، شيخنا بالإجازة، الحافظ شمس الدين بن المحب الصامت الصالحى، وأنشدنيه عنه لفظا، شيخنا قاضى الحرم جمال الدين أبو حامد بن ظهيرة الشافعى.
ومع كذب رتن، فقد كذبوا عليه كثيرا، وابنه الراوى لهذا الحديث عنه، بعضهم سماه عبد الله، وبعضهم سماه محمودا.
وقد سمع هذا الحديث من الشيخ عبد الملك، جماعة، منهم: جدى القاضى أبو الفضل النويرى، وكان يحدث به عنه، وشيخنا ابن سكر، وحدثنا به عنه.
وتوفى الشيخ عبد الملك المرجانى، فى يوم الخميس سابع عشر جمادى الأولى، سنة أربع وخمسين وسبعمائة بمكة، ودفن بالمعلاة.