وكان شادّ الدواوين فى دولة أبيه، وعزل من النيابة الأمير جمال الدين يوسف بن يعقوب. وفى أثناء ربيع الأول سنة اثنتين وعشرين، توجه المجاهد إلى حصن الدّملوة، ولبث بها أياما، وافتقد الخزائن، ونزل منها ولم يحسن لأحد بشئ، على جارى عادة الملوك، وأتى ثعبات، وأقام بها، وأنفس العسكر عليه متغيرة، فسعوا فى إقامة عمه الملك المنصور أيوب بن المظفر فى السلطنة عوضه، ولما تم للسّاعين فى ذلك قصدهم، اجتمع المماليك بالأمراء الكبار ومضوا لدار الشجاع عمر بن يوسف بن منصور المحارب بتعز، فقتلوه وقتلوا من كان حاضرا عنده وخرجوا من فورهم إلى ثعبات، فقبضوا المجاهد، وعادوا إلى المنصور أيوب فى آخر ليلتهم، والمجاهد معهم أسير، ولبث عند المنصور ثلاثة أيام، والمنصور يستحلف العسكر على الطاعة له والوفاء، فحلفوا له أيمانا مغلّظة.
وفى اليوم الرابع طلع المنصور فى أبّهة السلطنة إلى حصن تعزّ، ومعه المجاهد محتفظا به، وأودع دار الإمارة مكرّما، ، واستوسق الأمر للمنصور، وكانت سلطنته فى جمادى الآخرة سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة، وصرف فى مدة سلطنته من المال، نحو سبعمائة ألف دينار، غير المركوب والملبوس، وكانت سلطنته ثمانين يوما، وقيل نحو تسعين يوما، وزالت سلطنته فى سادس رمضان، سنة اثنتين وعشرين، وسبب زوالها، أن والدة المجاهد فيما قيل، بعثت بعض غلمان لها إلى العربيين، واتفقت مع جماعة منهم، وعاملوا شخصا على طلوع الحصن من قفاه، بمباطنة جماعة من عبيد الشّر بخاناه الذين بالحصن.
فلما حضروا إلى الحصن أدليت إليهم الحبال، وأطلعوا واحدا بعد واحد، وعددهم أربعون رجلا، وبعد استقرارهم بالحصن أرادوا الثورة، فنهاهم عن ذلك عبيد الشّربخاناه، وقالوا لهم: لا تحدثوا حدثا حتى نقول لكم، فلما نزل الخادم وقت الصباح بمفاتيح الحصن، وعلم بذلك عبيد الشربخاناه، أشاروا إلى الذين أطلعوهم بالقيام، فحضروا إلى الخادم وقتلوه وأخذوا المفاتيح منه، وما شعر بهم المنصور، إلا وهم معه فى موضع مبيته، فأخذوه أسيرا، ومضوا به إلى موضع ابن أخيه المجاهد، فسلموه إليه، وصاحوا بشعار المجاهد، فارتاع الناس لذلك، وحصل بين والى الحصن والرتبة معه، وبين الذين ثاروا بالحصن، قتال شديد، فقتل الوالى، واجتمع إلى الحصن أصحاب المنصور، فلم يجدوا إليه طريقا لإغلاقه دونهم، ولما رآهم المجاهد، أمر مناديا فصاح بإباحة بيوت المنصورية، فافترقوا إلى بيوتهم خوفا عليها، وتعدّى النهب لنساء الملوك، ثم أمر المجاهد بالإعراض عن النهب، وقبض على الناصر محمد بن الأشرف وأبيه، وغيرهم من الملوك، وكان المماليك البحرية والأمراء، قد أطمعوا الناصر بالملك. لما علموا بالنداء فى الحصن