للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فلثمت فاها آخذا بقرونها ... شرب النزيف ببرد ماء الحشرج

فقلت لها: أنا قائل ذاك، فداك أبى وامى، فقالت: من هذه الجارية التى دخلت عليها، وأخذت بقرونها، ولثمت فاها؟ قلت: يا سيدتى، إن عذرى قد تقدّم والمحنة فيه واحدة، قالت: فأراك مقيما على الكذب وفضيحة النساء، وهتك أسرار الحرائر، أخرجن عنى هذا الفاسق الكذاب، مجرورا مدحورا معزّرا على كذبه وافترائه على النساء، فبادرن الوصائف إلىّ، وسحبننى على وجهى، وضربننى بأيديهنّ وأرجلهن ضربا موجعا، ثم عصبن عينىّ، وسلّمننى إلى العجوز، فأخرجتنى وأنا لا أعقل، فقادنى ساعة، سنح لها جمّال فى بعض الطريق، فقالت له: خذ هذه المرأة الضريرة إلى مضرب عمر بن إلى ربيعة، ولك هذه الدراهم، فبادر الجمال وأخذنى من يدها، وهو يظن أنى امرأة ضريرة، حتى وصل بى إلى مضربى، فأخذنى منه بعض غلمانى، فدخلت المضرب، ولبست ثيابى، وأمرت بإدخال الناس علىّ، ثم قلت لهم: أىّ غلام وجد لى باب مضرب عليه كفّ خلوق، فهو حرّ لوجه الله تعالى، وأىّ رجل من أهلى وجد ذلك، فله ألف درهم. فخرج الناس من عندى واجتهدوا فى طلب ذلك، فعاد بعض غلمانى وقال: يا سيدى، قد عرفت المضرب، ثم قمت معه، فانتهى بى إلى مضرب مروة بنت عبد الملك ابن مروان، فأمرت بمضربى أن يقلع ويضرب حيال مضربها، فلما علمت أنى قد عرفتها، فحرجت من ذلك، ثم أسدلت الستور بينى وبينها، وكان لعبد الملك عيون، فكتبوا بذلك، شعرا، فشاع فى الناس، وهو [من الطويل] (١٢):

نظرت إليها بالمحصّب من منى ... ولى نظر لولا التحرّز عارم

فقلت أشمس أم محاريب بيعة ... بدت لك بين السّجف أم أنت حالم

بعيدة مهوى القرط إما لنوفل ... أبوها، وغما عبد شمس وهاشم

ثم أزف خروجها إلى الشام، فرحلت معها، أنزل بنزولها، وأرحل برحيلها، واشتد بى الوجد والدّنف، حتى ركبت فى العمّاريّة من ضعفى وشدة مرضى، وأنا أكتم حالى وأخفيه عن أهلى وعوّادى، ولم أفش سرى على أحد، إلى أن صرنا من دمشق على مرحلتين، فتلقاها رسول عبد الملك يأمرها بالنزول فى موضعها إلى أن يخرج إليها، وأقبل عبد الملك إلى نحوها فى سادات بنى أمية، ووجوه القوّاد، حتى إذا صار قريبا منها، اعتزل عنه الناس، فدخل إليها فى مضربها وبارك لها فى حجّتها، وهنأها بمقدمها، ثم قال: يا مروة، ألم أنهك عن الطواف نهارا، حتى لا تقع عين أحد عليك! فقالت: والله ما طفت إلا ليلا، فخرج من عندها، فحانت منه التفاتة، فإذا هو بمضربى، فقال:


(١٢) ديوانه ٣٤٨، والأغانى الموضع السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>