أضحت مكارم عيسى كعبة ولقد ... تعجب الناس من ثنتين فى الحرم
فهذه تحبط الأوزار ما برحت ... وهذه تشمل الأحرار بالنّعم
قال: فاستحسنهما غاية الاستحسان، قال: ودخلت عليه فى سنة ستين وخمسمائة، وكنت مجاورا أيضا، وكان نازلا بالمربّع، فوجدت عنده أخاه مالكا، وكان ذلك اليوم ثانى عشر ذى القعدة من السنة المذكورة، ونحن فى حديث الحاج وتوجههم إلى مكة، فأنشدته قصيدة أولها [من المتقارب]:
حملت من الشوق عبئا ثقيلا ... فأورث جسمى المعنّى نحولا
وصيرنى كلفا بالغرا ... م أندب ربعا وأبكى طلولا
نشدتكما الله يا صاحبىّ ... إن جزتما بلواء الطّلح ميلا
نسائل عن حيّهم بالعرا ... ق هل قوّضت أن تراهم حلولا
فقال لى عند إنشاد هذا البيت: لا إن شاء الله، قوضت وتوجّهت إن شاء الله تعالى بالسلامة، ثم أنشدته إلى أن انتهيت منها:
كفا كم فخارا بأنّ الوصىّ ... جدّكم وأمّكم الطهور البتولا
وحسبكم شرفا فى الأنا ... م أن بعث الله منكم رسولا
وجرى فى ولاية عيسى على مكة، بمكة وظواهرها، حوادث، منها: أن فى سنة سبع وخمسين وخمسمائة، كانت بمكة فتنة بين أهلها والحجاج العراقيين، سببها أن جماعة من عبيد مكة، أفسدوا فى الحاج بمنى، فنفر عليهم بعض أصحاب أمير الحاج، فقتلوا منهم جماعة، ورجع من سلم إلى مكة، وجمعوا جمعا، وأغاروا على جمال الحاج وأخذوا منها قريبا من ألف جمل، فنادى أمير الحاج فى جنده بسلاحهم، ووقع القتال بينهم، فقتل جماعة، ونهب جماعة من الحجاج، وأهل مكة، فرجع أمير الحاج ولم يدخل مكة، ولم يقم بالزاهر غير يوم واحد، وعاد كثير من الناس رجّالة لقلة الجمال، ولقوا شدة، ورجع بعضهم قبل إتمام حجّه، وهم الذين لم يدخلوا مكة يوم النحر للطواف والسعى، ذكر هذه الحادثة هكذا ابن الأثير.
وذكر صاحب المنتظم: أن أمير مكة بعث إلى أمير الحاج يستعطفه ليرجع، فلم يفعل، ثم جاء أهل مكة بخرق الدم، فضرب لهم الطبول، ليعلم أنهم قد أطاعوا.
ومنها: غلاء كثير، أكل الناس فيه بمكة الدم والجلود والعظام، ومات أكثر الناس، وذلك فى سنة تسع وستين وخمسمائة.