وقد ذكر ابن سعيد، مؤرخ المغرب والمشرق، حرب قتادة وصاحب المدينة فى هذه السنة، وأفاد فيه ما لم يفده ابن الأثير، فنذكر ذلك لما فيه من الفائدة، ونص ما ذكره قال: وفى سنة إحدى وستمائة، كانت بالحجاز، وهى من البلاد التى يخطب فيها للعادل بن أيوب، وقعة المصارع، التى يقول فيها أبو عزيز قتادة الحسنى صاحب مكة [من الطويل]:
مصارع آل المصطفى عدت مثلما ... بدأت ولكن صرت بين الأقارب
قتل فيها جماعة من الفاطميين، وكان أمرها، على ما ذكره مؤرخو الحجاز: أن أبا عزيز، هجم من مكة على المدينة النبوية، فخرج له صاحب المدينة سالم بن قاسم الحسينى، فكسره أبو عزيز، وحصره أياما، وكان سالم فى أثناء ذلك يحسن سياسة الحرب، ويستميل أصحاب أبى عزيز، إلى أن خرج عليه، وهو مغتر متهاون به، فكسره سالم، وأسر جمعا من أصحابه، وتبعه إلى مكة فحصره فيها على عدد أيام حصاره بالمدينة، وكتب إليه: يابن العم، كسرة بكسرة، وأيام حصار بمثلها، والبادى أظلم، فإن كان أعجبكم عامكم، فعودوا ليثرب فى القابل. انتهى.
وذكر أبو شامة شيئا غير هذا من خبر قتادة مع أهل المدينة، لأنه قال بعد أن ذكر أن المعظم صاحب دمشق عيسى بن العادل أبى بكر بن أيوب، حج فى سنة إحدى عشرة وستمائة: ولما عاد إلى المدينة شكا إليه سالم من جور قتادة، فوعده أن ينجده عليه، ثم قال: فجهز جيشا مع الناهض بن الجرخى إلى المدينة، والتقاهم سالم فأكرمهم، وقصدوا مكة، فانهزم قتادة منهم إلى البرية، ولم يقف بين أيديهم. انتهى.
وقال أبو شامة فى أخبار سنة اثنتى عشرة وستمائة: ووصل الخبر من جهة الحجاز، بنزول قتادة صاحب مكة على المدينة حرسها الله تعالى، تاسع صفر، وحصرها أياما، وقطع ثمرها جميعه، وكثيرا من نخيلها، فقاتله من فيها، وقتل جماعة من أصحابه، ورحل عنها خاسرا.
وقال فى أخبار هذه السنة أيضا: وفى ثالث شعبان، سار الأمير سالم صاحب المدينة بمن استخدمه من التركمان، والمراحل إليها من المخيمّ السلطانى بالكسوة، ثم توفى بالطريق قبل وصوله إلى المدينة، وقام ولد أخيه جماز بالإمرة بعده، واجتمع أهله على طاعته، فمضى بمن كان مع عمه، لقصد قتادة صاحب مكة، فجمع قتادة عسكر وأصحابه، والتقوا بوادى الصفراء، فكانت الغلبة لعسكر المدينة، فاستولوا على عسكر قتادة قتلا ونهبا، ومضى قتادة منهزما إلى ينبع، فتبعوه وحصروه بقلعته، وحصل لحميد