فى موكبه ببعض الطريق، دنا منه عبد الله بن مطيع بن الأسود، فكلّمه بشئ، فرد عليه مروان، فأجابه ابن مطيع، فأغلظ له فى القول، فأقبل مصعب بن عبد الرحمن بن عوف، وهو يومئذ على شرط مروان، فضرب وجه ناقة ابن مطيع بسوطه، وقال له، تنحّ، فتنحى، وأقبل صخير بن أبى جهم يتخلل الموكب، حتى دنا من مصعب، فحطم أنفه بالسوط، ثم ولى وهو على ناقة له مهريّة منكرة، وأمسك مصعب أعلا وجهه، ثم دنا من مروان فأخبره الخبر، واستعداه على صخير، فغضب غضبا وقال: علىّ به، والله لأقطعنّ يده، فقال له ابن مطيع: لقد أردت أن تكسر جذمى قريش، فاتّبعه قوم فلم بقدروا عليه، ولم يتعلقوا بشيء حتى نجا، فقال فى ذلك صخير بن أبى جهم:
نحن حطمنا بالقضيب مصعبا ... يوم كسرنا أنفه ليغضبا
لعل حربا بيننا أن ينشبا ... ثم أساء عارتنا أن يعتبا
فلم نجد إلا السلام مذهبا ... إذا مشت حولى عدىّ نصبا
وفيها غير ذلك مما كرهت أن أذكره.
وقال الزبير أيضا: ولطم صخير بن أبى جهم وجه مصعب، ومصعب على شرط مروان، ثم أعجزه، وحالت دونه بنو عدى، وجمعت له زهرة، وكاد الشر يقع بينهم. وقدم معاوية حاجا، فمشت إليه رجال بنى عدى، وكلموه أن يسأل مصعبا أن يعرض عن ذلك، وقالوا: كانت طيرة من صاحبنا، فليستقد منه مثل ما صنع به، أو من أينّا شاء، وليهب لنا حق السلطان. فكلمه معاوية، فأبى أشد الإباء وامتنع، وقال: استخفّ بسلطانى، لا أرضى حتى يؤتى به وأعاقبه عقوبة مثله، فقيل لبنى عدى: أخطأتم موضع الطلب، كلموا مروان، فكلموه فقال: أبعد أمير المؤمنين؟ قالوا: نعم، أنت اصطنعته، وأنت أولى به، فأتى مروان فكلمه، فقال له: فهلا أرسلت إلىّ؟ وما عنّاك؟ لو علمت هواك لفعلته، قد تركت ذلك لك، فبلغ معاوية ما صنع، فغضب عليه، وقال: أجبت مروان ولم تجبنى! فقال له مصعب: وما تنكر من ذلك؟ أخذنى مروان وقد أفسدتنى، فاصطنعنى وأصلح ما أفسدت منى، فشكرته على ذلك. فلم ينكر عليه معاوية.
وقال أيضا: ومن ولد هبّار ـ يعنى ابن الأسود ـ: إسماعيل بن هبار. وأمه أم ولد. وكان من فتيان المدينة المشهورين بالجلد والفتوة، فأتاه مصعب بن عبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن عبيد الله بن معمر، وعقبة بن جعونة بن شعوب الليثى، فصاحوا به ليلا، فخرج إليهم مغترّا، فاستتبعوه فى حاجة، فمضى معهم، فقتلوه، فأصبح فى خراب لبنى زهرة، يسمى حشّ بنى زهرة، أدبار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.