للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الحاج طاشتكين، وصل بعسكر كثير وسلاح وعدد من المنجنيقات والنّفّاطين وغير ذلك، فجمع الأمير مكثر الشرف والعرب على قدر وسعه لضيق الوقت.

ولم يحج مكة إلا القليل، وبات الحاج بعرفة، ولم يبت بمزدلفة، ولم يرم إلا جمرة العقبة، ولم ينزل منى، ولا بات بها إلا ليلة، ونزل الأبطح، وقاتل فى نزوله الأبطح فى بقية يوم النحر، وفى اليوم الثانى والثالث، وقوى القتال على أهل مكة، وأحرقت من دورها عدة دور، ونهبت الدور التى على أطراف البلد من ناحية المعلاة.

وفى اليوم الرابع، خرج مكثر من مكة، بعد أن سلّم الحصن ـ يعنى الذى بناه على أبى قبيس ـ لأمير الحاج، وسلّمت مكة إلى الأمير قاسم بن مهنا أمير المدينة، وكان وصل صحبة أمير الحاج، لأنه كان سافر فى هذه السنة إلى [ ..... ] (١) وإلى العراق، وأقامت مكة بيد الأمير قاسم ثلاثة أيام، ثم سلّمت للأمير داود، بعد أن أخذ عليه ألا يغيّر شيئا مما شرط عليه، من إسقاط المكوس وغير ذلك من الأرفاق، وأمر أمير الحاج بهدم الحصن المشار إليه. انتهى بالمعنى.

وذكر ابن الأثير شيئا من خبر الفتنة التى بين أمير الحاج ومكثر المشار إليهما، لأنه قال فى أخبار سنة إحدى وسبعين وخمسمائة: فى هذه السنة فى ذى الحجة، كان بمكة حرب شديدة بين أمير الحاج طاشتكين، وبين الأمير مكثر بن عيسى أمير مكة، وكان الخليفة قد أمر أمير الحاج بعزل مكثر وإقامة داود مقامه، وسبب ذلك، أنه كان قد بنى قلعة على جبل أبى قبيس، فلما سار الحاج من عرفات، لم يبيتوا بالمزدلفة، وإنما اجتازوا بها، ولم يرموا الجمار، إنما رمى بعضهم وهو سائر، ونزلوا الأبطح، فخرج إليهم ناس من أهل مكة فحاربوهم، وقتل من الفريقين جماعة، وصاح الناس: الفرار إلى مكة، وهجموا عليها، فهرب أمير مكة مكثر، فصعد إلى القلعة التى بناها على جبل أبى قبيس، فحصروه بها، ففارقها وسار عن مكة، وولى أخوه داود الإمارة بها، ونهب كثير من الحجاج بمكة، وأخذوا من أموال التجار المقيمين بها شيئا كثيرا، وأحرقوا دورا كثيرة.

ومن أعجب ما جرى، أن إنسانا زرّاقا، ضرب دارا فيها بقارورة نفط فأحرقها، وكانت لأيتام، فأحرق ما فيها، ثم أخذ قارورة أخرى، فأتاه حجر فأصاب القارورة فكسرها، فاحترق هو بها، فبقى ثلاثة أيام يتعذّب بالحريق، ثم مات.

وذكر ابن جبير فى «رحلته» شيئا من حال مكثر هذا، فمن ذلك: أن خطيب مكة


(١) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>