فلما كان بعد ذلك، ورجع عمرو إلى مكة، دخل المسجد للطواف، فمرّ بمجلس من قريش، فنظروا إليه وتكلموا، فقال لهم: قد رأيتكم تكلمتم حين رأيتمونى، فما قلتم؟ قالوا: تكلمنا فيك، وفى أخيك هشام، أيّكما أفضل؟ قال: أفرغ من طوافى وأخبركم.
فلما انصرف من طوافه، أتاهم، فقال: أخبركم عنى وعنه، بيننا خصال ثلاث: أمه بنت هشام بن المغيرة، وأمى أمى. وكان أحبّ إلى أبيه منى، وفراسة الوالد فى ولده فراسته، واستبقنا إلى الله عزوجل، فسبقنى.
وذكره ابن عبد البر فقال: كان قديم الإسلام، أسلم بمكة، وهاجر إلى أرض الحبشة، ثم قدم مكة حين بلغه مهاجرة النبى صلى الله عليه وسلم، فحسبه أبوه وقومه بمكة، حتى قدم بعد الخندق على النبى صلى الله عليه وسلم، وكان أصغر سنّا من أخيه عمرو، وكان فاضلا خيرا، ثم ذكر قول عمرو بن العاص فيه، حين سئل عنه بزيادة، وهو أنه قال بعد قوله: واستبقنا إلى الله تعالى فسبقنى: أمسك علىّ السترة حتى تطهّرت، وتحفظت. ثم أمسكت عليه، حتى فعل مثل ذلك، ثم عرضنا أنفسنا على الله تعالى، فقبله وتركنى.
ثم قال: وقال الواقدى: حدثنا عبد الملك بن وهب، عن جعفر بن يعيش، عن الزهرى، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، قال: حدثنى من حضر أن هشام بن العاص قال: ضربت رجلا من غسان، فأبدى منحره، فكرّت غسان على هشام، فضربوه بأسيافهم حتى قتلوه، فلقد وطئته الخيل، حتى كرّ عليهم عمرو، فجمع لحمه فدفنه، قال: وحدثنى ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، قال: لما انهزمت الروم يوم أجنادين، انتهوا إلى موضع لا يعبره إلا إنسان إنسان، فجعلت الروم تقاتل عليه، وقد تقدموه وعبروه، فتقدم هشام بن العاص، فقاتلهم حتى قتل، ووقع على تلك الثّلمة فسدّها، فلما انتهى المسلمون إليها، هابوا أن يوطئوه الخيل، فقال عمرو بن العاص: أيها الناس، إن الله استشهده، ورفع روحه، وإنما هى جثة، فأوطئوه الخيل، ثم أوطأه هو، ثم تبعه الناس حتى قطّعوه، فلما انتهت الهزيمة، ورجع المسلمون إلى العسكر، كرّ إليه عمرو، فجعل يجمع لحمه وأعضاءه وعظامه، ثم حمله فى نطع، فواراه.
روى عن النبى صلى الله عليه وسلم، أنه قال:«ابنا العاص مؤمنان: عمرو وهشام». رواه محمد بن عمرو، عن أبى سلمة، عن أبى هريرة، عن النبى صلى الله عليه وسلم، قال: وقتل هشام بن العاص بالشام يوم أجنادين، فى خلافة أبى بكر، سنة ثلاث عشرة. وروى ابن المبارك عن أهل الشام، أنه استشهد يوم اليرموك. انتهى.