ولما مات حليل أبت خزاعة أن تدع قصيا وذاك، وأخذوا المفتاح منه فاستنصر قصى برجال من قريش وكنانة فأجابوا، واستنصر أيضا بأخيه لأمه رزاح بن ربيعة، فخرج إليه بإخوته ومن معهم من قضاعة، فقابل بهم قصى خزاعة بعد انقضاء الحج بمفضى مأزمى منى، فسمى ذلك المكان «المفجر» لما فجر فيه وسفك من الدماء، بسبب الجراحات فى الفريقين، وكثرت القتلى فيهما، ثم تداعوا إلى الصلح، فحكموا يعمر بن عوف بن كعب بن الليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، وكان شريفا، فحكم: بأن لا تباعد لأحد على أحد فى دم، وحكم: بحجابة البيت وولاية أمر مكة لقصى دون خزاعة، لما جعل له حليل، وأن لا تخرج خزاعة من مساكنها من مكة، فسمى يعمر يومئذ: الشداخ؛ لأنه لما حكم قال: ألا إنى قد شدخت ما كان بينكم من دم تحت قدمى هاتين.
وولى قصى حجابة البيت وأمر مكة، وجمع قومه من قريش من منازلهم إلى مكة ليستعزبهم، وتملك على قومه فملكوه.
وخبر ولايته طويل فى تاريخ الأزرقى. وهذا ملخص منه بالمعنى فيه مقنع.
وقد سبق فى الباب الذى قبله أن قصيا اشترى ولاية البيت من أبى غبشان بما سبق ذكره.
وذكر الزبير بن بكار خبرا يقتضى أن قصى بن كلاب: أول من ثرد الثريد فأطعم بمكة وسقى اللبن بعد بنت بن إسماعيل.
وذكر أيضا خبرا يقتضى أن قصيا كان يعشر من دخل مكة من غير أهلها.
ومن خبر قصى بن كلاب: أنه أحدث وقود النار بالمزدلفة، ليراها من دفع من عرفة، وأنه: بنى قزح موضع الوقوف بالمزدلفة، وأنه: اتخذ لنفسه دار الندوة، وجعل بابها إلى مسجد الكعبة، ففيها كانت تقضى قريش أمورها.
وأن أمره فى قومه كدين المتبوع لا يعمل بغيره فى حياته ومن بعده.
وأنه مات بمكة فدفن بالحجون، فتدافن الناس بالحجون بعده.
وأنه أول بنى كعب بن لؤى، أصاب ملكا أطاع له به قومه. والله أعلم.