الحاج بعدم الاحتفال به لئلا يشوش من إكرامه محمد بن أحمد فينفر، فيفوت المراد منه.
وعرف السلطان الأمير جركس الخليلى أمير أخور المالكى الظاهرى بما فى نفسه فى حق محمد وعنان، وكان من الحجاج فى هذه السنة ـ وهى حجته الأولى وحجته الثانية فى سنة تسعين وسبعمائة ـ فلما وصل إلى مكة خدمه محمد وأمه السيدة فاطمة بنت ثقية كثيرا. وبعثت إليه أمه تسأله عن حال ابنها وعنان، فذكر لها أنه لا يعلم على ابنها سوءا، وربما قيل: إنه حلف لها على ذلك، فانشرح لذلك خاطرها وحسنت لابنها الإقدام على ملاقاة المحمل المصرى لخدمته على عادة أمراء الحجاز، وكان محجما عن ذلك لإشارة كبيش عليه بعدم ملاقاة المحمل، وما زالت به أمه حتى وافقها على مرادها.
فخرج فى عسكره إلى أن حضر عند المحمل، فلما أخذ يقبل خف الجمل على العادة، وثب عليه باطنيان فجرحاه جرحات مات بها من فوره.
وذلك فى يوم الاثنين مستهل الحجة سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، وله نحو عشرين سنة، ونقل إلى المعلاة، ودفن بها بعد الصلاة عليه وغسله وتكفينه. وتوجع الناس عليه كثيرا، سيما أمه.
ويقال: إنها كانت دعت عليه بالهلاك بعد أن عرفت بكحل أخويها، ومن ذكر معهما لعظم ألمها لذلك وألم الناس أيضا لكحلهم، فإن صح عنها ذلك، فقد استجيب دعاؤها وما خطر لها ببال قتله.
وكان كبيش يتوقع له ذلك، ولذلك نهاه عن ملاقاة المحمل. وكانت أمه لا تظن يصيبه من السوء فى ملاقاة المحمل غير اعتقاله، وغلب على ظنها سلامته لما ذكر لها الخليلى.
ويقال: إن الخليلى عوتب على ما ذكره لأمه؛ لأنه ظهر بعد ذلك ما يدل على علمه للسوء فيه، فاعتذر بعدم قدرته على إفشاء السر، وقال: كان ينبغى لهم أن يفطنوا لملازمة جماعتنا لحمل السلاح، وما كان لمحمد فى كحل المذكورين راحة؛ لأنه ابتلى بفقد الحياة، ويستبعد أن يكون للمذكورين على ذلك قدرة إلا أن يشاء الله وكل ما يسدونه إليه من الأذى يسير بالنسبة إلى ما أصابه من البلاء.
ويقال: إنه لم يوافق على كحلهم، حتى عظم عليه فى التخويف من شرهم، فما نفعه الحذر من القدر، ولكنه فاز بالشهادة.