الإمام، قدوة الناسكين، عمدة السالكين، قطب الدين بقية العلماء العاملين. وسمع منه غيرهم من الأعيان، وأثنوا عليه كثيرا، وهو حرى بذلك.
فقد ذكر جد أبى: الشريف أبى عبد الله الفاسى، أحد تلامذة القطب القسطلانى هذا: أن الشيخ قطب الدين القسطلانى هذا قال: كنت أقرأ على شيخنا أبى عبد الله محمد بن عمر بن يوسف القرطبى بالمدينة النبوية، فجئته يوما وأنا فى وقت خلوة، وأنا يومئذ حديث السن، فخرج إلىّ وقال: من أدبك بهذا الأدب وعاب علىّ؟ فذهبت عنه، وأنا منكسر، فدخلت المسجد، وقعدت عند قبر النبى صلى الله عليه وسلم، فبينا أنا جالس على تلك الحال، وإذا الشيخ ـ رضى الله عنه ـ قد جاءنى وقال: قم. فقد جاء فيك شفيع لا يرد. انتهى. وهذه منقبة عظيمة.
وذكر جدى أنه سمعه أيضا يقول: عاهدت الله تعالى أن لا أرد سائلا. انتهى. وهذه خصلة حسنة مستلزمة لمحبته ومدحه.
وكان عين لقضاء مكة فى سنة خمس وأربعين وستمائة، فتوقف. وفضائله كثيرة.
وتوفى ليلة السبت الثامن والعشرين من المحرم سنة ست وثمانين وستمائة بمنزله بالكاملية، ودفن بالقرافة، وشهد جنازته خلق كثير وضجوا عليه بالبكاء.
وكان طلب من مكة بعد موت أخيه التاج القسطلانى لمشيخة دار الحديث الكاملية بالقاهرة، فوليها حتى مات.
وقال الأديب ناصر الدين أبو على شاور طرخان الكنانى، المعروف بابن النقيب فى القطب القسطلانى لما توجه إلى القاهرة بعد موت أخيه التاج:
استوحشت مكة من قطبها ... واستأنست مصر به والديار
شيخ شيوخ الحرم المقتدى برأيه ... عند الأمور الكبار
فيا له قطب مدار العلا عليه ... والقطب عليه المدار
أنشدنى إبراهيم بن محمد الصوفى بقراءتى عليه بالحرم الشريف سابع عشر رجب سنة خمس وثمانمائة: أن الحافظ قطب الدين عبد الكريم بن عبد النور الحلبى أنشده إذنا وجماعة، قالوا: أنشدنا الشيخ قطب الدين القسطلانى لنفسه إجازة إن لم يكن سماعا فى لزوم ما لا يلزم، وكتب ذلك عنه الحافظ الدمياطى:
ألا هل لظل بالأراك معاد ... وهل ذلك العيش الهنى يعاد