وأما ما كان من خبر بنى حسن، فإنهم لما توجهوا لأجياد، استولوا على اصطبل ابن قراسنقر، وقصدوا الأمير قندس، وكان نازلا ببيت الزباع بأجياد، فقاتلوه من خارجه حتى غلبوه، ودخلوا عليه الدار، فقتلوا جماعة من أصحابه، وهرب هو من جانب منها، فاستجار ببعض الشرائف، فأجارته.
ونهب منزله بنو حسن، وقصد طائفة منهم الترك الذين بالمسجد، فقتلوا من سراة بنى حسن: مغامس بن رميثة، أخا سند، وغيره.
وكان من أمر الترك بعد ذلك، أنهم خرجوا من مكة، بعد أن استجاروا ببعض بنى حسن على أنفسهم وأهلهم وأموالهم، ولم يخرجوا من مكة إلا بما خف من أموالهم، وخرج بعدهم من مكة ابن عطيفة، قاصدا مصر خائفا يترقب، بسبب ما كان بين ذوى عطيفة والقواد العمرة من القتل، وكان تخلى فى وقت الفتنة عن نصرة الترك، بإشارة بعض بنى حسن عليه بذلك، وقوى عزمه على ذلك، قتل الترك لمغامس بن رميثة.
ووجدت بخط بعض أصحابنا فيما نقله من خط ابن محفوظ: أن ابن عطيفة أراد أن يتعصب للترك، فتهدده لذلك بعض بنى حسن بالقتل، وأنه وسندا، قعدا فى البلاد بعد سفر الترك، وفى كون ابن عطيفة أقام بمكة بعد سفر الترك منها نظر، لأن المعروف عند الناس أنه سافر بعد الفتنة إلى مصر، اللهم إلا أن يكون مراد ابن محفوظ، أنه أقام بمكة أياما يسيرة بعد سفر الترك، ثم سافر من مكة، فلا منافاة حينئذ. والله أعلم.
ولما وصل ابن عطيفة مصر، لم يكن له بها وجه؛ لأن العسكر لم يحمده. وكذا أهل مكة، لتقصيره فى نصره كل من الفريقين، ولم يزل بمصر مقيما، حتى مات فى أثناء سنة ثلاث وستين وسبعمائة أو بعدها بقليل.
وكانت مدة ولايته سنة ونصفا، تزيد أياما أو تنقص أياما، للاختلاف فى تاريخ قدومه إلى مكة، مع العسكر الذى جهز معه إلى مكة، حين ولايته لها.
ولشيخنا ـ بالإجازة ـ الأديب يحيى بن يوسف المكى، المعروف بالنشو، مدايح فى ابن عطيفة هذا، منها ما أنشدناه ـ إجازة ـ من قصيدة له يمدحه بها سنة تسع وثلاثين وسبعمائة أولها (٣):
تذيب فؤادى بالغرام وتجحد ... وترضى بإتلافى وما لى منجد
أمالك نفسى وهى نفس أبية ... وما عنده من رحمة لى توجد
أتنقض عهدى والعهود وفية ... ألست على العهد الذى أنت تعهد