ولا يعارض ما صح عن ابن عبد السلام، فى ذم ابن عربى، ما حكاه عنه الشيخ عبد الله بن أسعد اليافعى فى كتابه «الإرشاد والتطريز» لأنه قال: وسمعت أن الشيخ الفقيه الإمام عز الدين بن عبد السلام، كان يطعن فى ابن العربى ويقول: هو زنديق.
فقال له يوما بعض أصحابه: أريد أن ترينى القطب. فأشار إلى ابن عربى، وقال: هذاك هو. فقيل: فأنت تطعن فيه؟ فقال: حتى أصون ظاهر الشرع، أو كما قال، رضى الله عنهما.
أخبرنى بذلك غير واحد ما بين مشهور بالصلاح والفضل، ومعروف بالدين، ثقة عدل، من أهل الشام ومن أهل مصر، إلا أن بعضهم روى: أريد أن ترينى وليا، وبعضهم روى القطب. انتهى.
وإنما لم يكن ما حكاه اليافعى معارضا لما سبق من ذم ابن عربى؛ لأن ما حكاه اليافعى، بغير إسناد إلى ابن عبد السلام، وحكم ذلك الإطراح، والعمل بما صح إسناده فى ذمه. والله أعلم.
وأظن ظنا قويا، أن هذه الحكاية من انتحال غلاة الصوفية، المعتقدين لابن عربى، فانتشرت حتى نقلت إلى أهل الخير، فتلقوها بسلامة صدر.
وكان اليافعى ـ رحمه الله ـ سليم الصدر فيما بلغنا، وإنما قوى ظنى بعدم صحة هذه الحكاية، لأنها توهم اتحاد زمان مدح ابن عبد السلام لابن عربى، وذم ابن عبد السلام له.
فإن تعليل ابن عبد السلام ذمه لابن عربى لصيانته للشرع، يقتضى أن ابن عربى، عالى الرتبة فى نفس الأمر، حال ذم ابن عبد السلام له. وهذا لا يصدر من عالم متق. فكيف بمن كان عظيم المقدار فى العلم والتقوى، كابن عبد السلام؟ ومن ظن به ذلك، فقد أخطأ وأثم، لما فى ذلك من تناقض القول.
ولا يعارض ذلك ما يحكى من اختلاف المحدثين فى جرح الراوى وتوثيقه؛ لأن الراوى يكون ثقة فى نفسه، ولكنه مع ذلك يلابس أمرا كبدعة، وللمحدثين فى ذلك خلاف، هل هو جرح أو لا؟ فمن عدله من المحدثين، نظر إلى أن ذلك الأمر غير قادح فى الراوى، ومن جرحه رأى ذلك الأمر قادحا.
وربما كان الراوى يخطئ أحيانا أو يقل ضبطه بالنسبة إلى غيره، فيرى بعض المحدثين