وما ضرنا بعد المسافة بيننا ... سرائرا تسرى إليكم فنلتقى (٥)
وقال: سمعت الشيخ أبا يعقوب يوسف بن إبراهيم بن عقاب الجذامى الشاطبى، نزيل تونس، بها، يقول: لما دخل الشيخ أبو مدين رضى الله عه مدينة تونس، كان يجلس فيتكلم على أصحابه، فمر عليه بعض فقهاء تونس، فجلس مع الجماعة فى المجلس، فلما فرغ الشيخ أبو مدين رضى الله عنه من كلامه، خرج ذلك الفقيه، وصار يقول: أبو مدين، أبو مدين رجل لا يحسن العربية، ويلحن فى كلامه، فصار يكثر من هذا المعنى، ثم بعد ذلك بمدة، مرّ على المجلس، فدخل فحضر مع الجماعة، فحين جلس، قال الشيخ أبو مدين رضى الله عنه: ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما قطّ، إن اشتهاه أكله وإلا تركه، فوقع فى نفس ذلك الفقيه، أنه مراد بذلك، فاستغفر مما كان منه.
وقال بعد أن ذكر شيئا من حال ابن عقاب: وقد حضرت مع جماعة من الطلبة، فى المدة التى كان شيخنا أبو محمد المرجانى رضى الله عنه فيها فى مصر، يتكلم فى جامعها. فذكروا حديث الشيخ أبى محمد، فقال بعض الطلبة الحاضرين: هذا يلحن فى كلامه، فقلت له فى الوقت:
لحنها معرب وأعجب من ذا ... أن إعراب غيرها ملحون
وسمعت الشيخ أبا محمد عبد الله بن عمران البكرى يقول: سمعت رجلا من أهل تونس يعرف بابن الخارجى ـ وبنو الخارجى بيت فى تونس يعرفون بالفقه والعلم ـ يقول: كنت أجلس مع شهود تونس للتوثيق، فبينا نحن جلوس ذات يوم، إذ جاءنا الشيخ أبو الحسن الشاذلى، ومعه رجل من أصحابه يريد أن يتزوج، فأخذنا نكتب الصداق، والشيخ واقف، رحمه الله، فأخذ الشيخ أبو الحسن يحكى لنا من بعض أخبار الأولياء. فقلت فى نفسى: مد الشيخ الزلاقة، يعنى بذلك إنه يحب أن يكتب له الصداق بغير شئ.
فلما فرغنا من كتب الصداق، أعطانا الشيخ دينارا ذهبا. وقال: الشيخ ما يمد الزلاقة.
قال: فمن حينئذ صحبته وتركت ما كنت فيه. وكان إذا حكاها يبكى، رحمه الله.
وقال: سمعت أم أبى البركات، ميمونة ابنة أبى عبد الله محمد بن ناصر ـ بمدينة