وخرج مشيخة أيضا لشيخنا مجد الدين محمد بن يعقوب الشيرازى، الآتى ذكره، قاضى اليمن، وأخذ عنه هناك.
وخرج لغير واحد من شيوخه وأصحابه، وشرع فى تخريج «معجم» لى، فألف منه عدة كراريس، فى تراجم المحمدين.
وخرج لنفسه أربعين حديثا متباينة الإسناد والمتون؛ وكلها موافقة لأصحاب الكتب الستة، فجاءت فى غاية الحسن، دالة على كثرة حفظه، ولم يبيضها.
وكتب شيئا كالشرح على «نخبة الفكر» لصاحبنا الحافظ شهاب الدين أبى الفضل ابن حجر، ولم يكمله، وله تواليف كثيرة لم يكملها، منها: شيء على نمط «الموضوعات» لابن الجوزى، وشيء يتعلق بتاريخ المدينة النبوية، وشيء فى علم الحديث، على طريق ابن الصلاح، ولم يكمل شيئا من هذه التواليف.
ودخل اليمن مرات كثيرة، منها: فى سنة عشرين وثمانمائة، وولى بها السماع للحديث بالمدرسة التاجية بزبيد، ومال بعد ذلك إلى استيطان اليمن، فنقل إليه تعاليقه وأجزاءه، وكتبه، وظهر لفضلاء اليمن فضيلته فى الحديث وغيره، فأحبوه ونوهوا بذكره، ونمى خبره إلى الملك الناصر صاحب اليمن، فمال إليه، ونال منه برّ غير مرة، بعد مديحه للملك الناصر بقصائد طنانة.
وتوجه من اليمن لقصد الحج، فى النصف الثانى من ذى القعدة، سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة، وكان ببعض المراسى القريبة من جدة فى يوم حار. وركب فى وسط هذا النهار فرسا عريا، وركض كثيرا ليدرك الحج، وكان بدنه ضعيفا، فازداد ضعفا، وأدرك أرض عرفة فى آخر ليلة النحر فيما ذكر، وما أتى إلى منى، إلا فى آخر يوم النفر الأول؛ لأنه مشى على قدميه، وهو شديد الضعف فى يومين إلى المزدلفة، فى يوم النفر الأول، علمنا خبره، فمضى إليه من أحضره إلى منى، ونفر منها إلى مكة، ولم يزل عليلا، وربما أفاق قليلا فى بعض الأيام؛ حتى مات بعد صلاة الصبح، من يوم الجمعة الثامن والعشرين من ذى الحجة سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة، بمكة المشرفة، بعد أن كتب وصيته بخطه فى هذا اليوم، ودفن بالمعلاة بعد صلاة الجمعة، وتأسف الناس عليه كثيرا، لوفور محاسنه.
وكنت عظيم الأسف عليه، لما بينى وبينه من الصداقة الأكيدة، ولما يفيدنيه فى الحديث وغيره. وقل أن اجتمعت به إلا وأفادنى شيئا. وكان مع وفور فضيلته، يذاكرنى بأشياء كثيرة من متعلقات الحديث. فأذكر له فيها ما يعتمده.