للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ربه عزوجل ـ أن يقول فى حجته: «هذه حجّة فى عمرة» (١) ومعنى هذا أن الله ـ سبحانه ـ أمره أن يقرن (٢) الحجّ مع العمرة فأصبح ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأخبر الناس بذلك؛ وطاف على نسائه يومئذ (٣) بغسل واحد ـ وهن تسع وقيل إحدى عشرة ـ ثم اغتسل وصلى عند المسجد ركعتين، وأهل بحجّة وعمرة معا.

هذا الذى رواه بلفظه ومعناه عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ستة عشر صحابيا، منهم: خادمه أنس ابن مالك ـ رضى الله عنه ـ وقد رواه عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ستة عشر تابعيا، وقد ذكرتهم فى كتاب «شارع النجاة»، وهذا صريح لا يحتمل التأويل إلا أن يكون بعيدا، وما عدا ذلك مما جاء من الأحاديث الموهمة التمتّع (٤)، أو ما يدل على الإفراد (٥) فليس هذا محل ذكرها.

والقران فى الحج هو مذهب إمامنا أبى عبد الله محمد بن إدريس الشافعى ـ رحمه الله تعالى ـ وقد نصره جماعة من محققى أصحابه، وهو الذى يحصل به الجمع بين الأحاديث كلها (٦) ومن العلماء من أوجبه وممن قال بأفضليته الإمام أبو حنيفة النعمان


(١) عن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بوادى العقيق يقول: «أتانى الليلة آت من ربى، فقال: صلى فى هذا الوادى المبارك، وقل عمرة فى حجة». رواه أحمد والبخارى وابن ماجة وأبو داود، وفى رواية البخارى: «وقل عمرة وحجة». انظر: زاد المعاد ٢/ ١١٦، ١٥٢.
(٢) القران: هو الإهلال بالحج والعمرة معا وهو متفق على جوازه، أو الإهلال بالعمرة ثم يدخل عليها الحج أو عكسه وهذا مختلف فيه.
(٣) أخرجه البخارى ١/ ٣٢٧، ومسلم (١١٩٢) (٤٨) من حديث عائشة. انظر: زاد المعاد ٢/ ١٠٦.
(٤) التمتع: هو الاعتمار فى أشهر الحج ثم التحلل من تلك العمرة والإهلال بالحج فى تلك السنة ويطلق التمتع فى عرف السلف على القران. قال ابن عبد البر: ومن التمتع ـ أيضا ـ القران ومن التمتع ـ أيضا ـ فسخ الحج إلى العمرة. انتهى. وقد أجاب ابن القيم فى زاد المعاد عن أعذار الذين وهموا فى صفة حجته عن ذلك، فليراجع ٢/ ١٣١ وما بعدها.
(٥) الإفراد: هو الإهلال بالحج وحده والاعتمار بعد الفراغ من أعمال الحج لمن شاء ولا خلاف فى جوازه. وقد أجاب ابن القيم عن ذلك أيضا فليراجع فى زاد المعاد ٢/ ١٢٧ وما بعدها.
(٦) اختلفت الأنظار واضطربت الأقوال لاختلاف هذه الأحاديث فمن أهل العلم من جمع بين الروايات كالخطابى الذى رجح أنه صلى الله عليه وسلم أفرد الحج. وكذا قال عياض، وزاد فقال: وأما إحرامه فقد تضافرت الروايات الصحيحة بأنه كان مفردا وأما روايات من روى التمتع فمعناه أنه أمر به؛ لأنه صرح بقوله: «ولولا أن معى الهدى لأحللت» فصح أنه لم يتحلل. وأما رواية من روى القران فهو إخبار عن آخر أحواله؛ لأنه أدخل العمرة على الحج لما جاء إلى الوادى، وقيل: قل ـ

<<  <  ج: ص:  >  >>