وقد جعلهم الله مركسين كأنهم قد نكسوا على رءوسهم وصاروا يمشون على وجوههم كما قال تعالى «أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ؟» لأنهم قد فسدت فطرتهم وأحاطت بهم خطيئاتهم، فأوغلوا فى الضلال، وبعدوا عن الحق، حتى لم يعد يجول فى أذهانهم إلا الثبات على ما هم فيه ومقاومة ما عداه.
وقد نسبه الله تعالى إليه لأنه ما كان سببا إلا بسنته فى تأثير الأعمال الاختيارية فى نفوس العالمين.
(أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ؟) أي إنه ليس فى استطاعتكم أن تبدلوا سنن الله فى نفوس الناس فتريدوا أن تحصلوا على مقاصد وغايات ضد ما انطبع فيها من الأخلاق والصفات، بتأثير ما كسبته طوال عمرها من الأعمال.
(وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا) أي ومن تقضى سننه فى خلقه أن يكون ضالا عن طريق الحق فلن تجد له سبيلا يصل بسلوكها إليه، فإن للحق سبيلا واحدة هى صراط الفطرة المستقيم، وللباطل سبلا كثيرة عن يمين سبيل الحق وعن شمالها، كل من سلك منها سبيلا بعد عن سبيل الحق بقدر إيغاله فى السبيل التي سلكها كما قال تعالى «وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ» وقد أوضح النبي صلى الله عليه وسلم معنى الآية بالخطوط الحسية، فخط فى الأرض خطا وجعله مثالا لسبيل الله، وخط على جانبيه خطوطا لسبل الشيطان، وهذه الخطوط المستقيمة لا تلتقى مع الخط الأول بحال.
وسبيل الفطرة تقتضى أن يعرض الإنسان جميع أعماله على سنن العقل ويتّبع ما يظهر له أنه الحق الذي فيه منفعته عاجلا وآجلا، وفيه كماله الإنسانى.
وأكثر ما يصده عن هذه السبيل التقليد والغرور وظنه أنه ليس هناك ما هو أكمل مما هو فيه، وبهذا يقطع على نفسه طريق العقل والنظر فى النفع والضر والحق والباطل.
وشبهته فى ترك صراط الفطرة أن عقله قاصر عن التمييز بين الحق والباطل والخير