ويرى بعضهم أن المصايب لا تكفّر إلا إذا أثرت فى النفس تأثيرا صالحا وكانت سببا فى قوة الإيمان وترك السوء والتوبة منه والرغبة فى صالح العمل بما تحدثه من العبرة فتكون مربّية لعقله ونفسه، أما إذا ضاعفت الذنوب كالمصايب التي تحمل صاحبها على الجزع ومهانة النفس وضعف الإيمان إلى ذنوب أخرى لم يكونوا ليقترفوها لولا المصيبة فلا تكفر شيئا من الخطايا بل تزيدها.
(وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) أي من يعمل السوء ويستحق العقاب عليه لا يجد له وليا غير الله يتولى أمره ويدفع الجزاء عنه، ولا نصيرا ينصره وينقذه مما يحلّ به لا من الأنبياء الذين تفاخر بهم ولا من غيرهم من المخلوقات التي اتخذها بعض البشر آلهة وأربابا، فكل تلك الأمانى تكون أضغاث أحلام، وإنما يكون المدار فى ذلك على الإيمان والأعمال كما قال:
(وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً) أي ومن يعمل كل ما يستطيع عمله من الأعمال التي تصلح بها النفوس فى أخلاقها وآدابها وأحوالها الاجتماعية، سواء كان العامل ذكرا أو أنثى وهو مطمئن القلب بالإيمان- فأولئك العاملون المؤمنون بالله واليوم الآخر يدخلون الجنة بزكاء أنفسهم وطهارة أرواحهم ولا يظلمون من أجور أعمالهم شيئا ولو حقيرا كالنقير.
وفى هذه الآية وما قبلها من العبرة والموعظة ما يهدم صروح الأمانى التي يأوى إليها الكسالى وذوو الجهالة من المسلمين الذين يظنون أن الله يحابى من يسمى نفسه مسلما ويفضله على اليهودي والنصراني لأجل هذا اللقب، فالذين يفخرون بالانتساب إليه وقد نبذوه وراء ظهورهم وجرموا الاهتداء بهديه، هم فى ضلال مبين.
وبعد أن بين سبحانه أن النجاة والسعادة منوطان بصالح الأعمال مع الإيمان أردف ذلك ذكر درجات الكمال فقال:
(وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ) أي لا أحد أحسن ممن جعل قلبه خالصا لله وحده، فلا يتوجه إلى غيره فى دعاء ولا رجاء، ولا يجعل بينه وبينه حجابا