من الوسطاء والشفعاء، ولا يرى فى الوجود إلا هو، ويعتقد أنه سبحانه ربط الأسباب بالمسببات، فلا يطلب شيئا إلا من خزائن رحمته، ولا يأتى بيوت هذه الخزائن إلا من مسالكها، وهى السنن والأسباب التي سنها فى الخليقة.
وهو مع هذا الإيمان الكامل والتوحيد الخالص، محسن للعمل متحلّ بأحسن الأخلاق والفضائل.
وقد عبر عن توجه القلب بإسلام الوجه، لأن الوجه أعظم مظهر لما فى النفس من إقبال وإعراض، وسرور وكآبة، وما فيه هو الذي يدل على ما فى السريرة.
(وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) أي واتبع إبراهيم فى حنيفيته التي كان عليها، بميله عن الوثنية وأهلها، وتبريه مما كان عليه أبوه وقومه منها، قال تعالى:«وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ. إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ. وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» .
(وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا) أي اصطفاه الله لإقامة دينه فى بلاد غلبت عليها الوثنية، وأفسد الشرك عقول أهلها، وقد بلغ من الزلفى عند ربه ما صح به أن يسمى خليلا، فقد اختصه بكرامة ومنزلة تشبه الخليل لدى خليله، ومن كانت له هذه المنزلة كان جديرا أن تتّبع ملّته وتأتسي طريقته.
والخلاصة- إنه منّ عليه بسلامة الفطرة وقوة العقل وصفاء الروح وكمال المعرفة وفنائه فى التوحيد.
ثم ذكر ما هو كالعلة لما سبق بقوله:
(وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي إن كل ما فى السموات والأرض ملك له ومن خلقه، مهما اختلفت صفات المخلوقات، فجميعها مملوكة عابدة له خاضعة لأمره.
(وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً) إحاطة قهر وتسخير، وإحاطة علم وتدبير، وإحاطة وجود، لأن هذه الموجودات ليس وجودها من ذاتها ولا هى ابتدعت نفسها بل وجودها