السورة وأن الله يذكرهم بتلك الآيات المفصلة ليتدبروها ويتأملوا معانيها ثم يعملوا بها، إذ قد جرت طباع البشر أن يتغافلوا عن دقائق الأحكام والعظات التي ترجعهم عن أهوائهم وتؤنبهم على اتباع شهواتهم.
(وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ) أي يفتيكم أن تقوموا لليتامى من هؤلاء النساء والولدان المستضعفين بالقسط، بأن تهتموا بهم اهتماما خاصا وتعنوا بشأنهم ويجرى العدل فى معاملتهم على أكمل الوجوه وأتمها، فإن ذلك هو الواجب الذي لا هوادة فيه، ولا خيرة فى شأنه.
ثم رغبهم فى العمل بما فيه فائدة لليتامى، وحبب إليهم النّصفة فقال:
(وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِهِ عَلِيماً) أي وما تفعلوه من الخير لليتامى فهو مما لا يعزب عن علمه، وهو مجازيكم به ولا يضيع عنده شىء منه.
(وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً) أي وإن توقعت من بعلها نشوزا وترفعا عليها بما لاح لها من مخايل ذلك وأماراته، بأن منعها نفسه ونفقته والمودة والرحمة التي تكون بين الرجل والمرأة، أو آذاها بسبّ أو ضرب أو نحو ذلك، أو إعراضا عنها بأن قلل من محادثتها ومؤانستها لبعض أسباب من طعن فى سن أو دمامة أو شىء فى الأخلاق أو الخلق أو ملال لها أو طموح إلى غيرها أو نحو ذلك.
والواجب عليها أن تتثبت فيما تراه من أمارات الإعراض فربما كان الذي شغله عن مسامرتها والرغبة عن مباعلتها، مسائل من مشاكل الحياة الدنيوية أو الدينية، وهى أسباب خارجية لا دخل له فيها، ولا تعلق لها بكراهتها والجفوة عنها، وحينئذ عليها أن تعذره، وتصبر على ما لا تحب من ذلك، أما إذا استبان لها أن ذلك لكراهته إياها ورغبته عنها.
(فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً) أي فلا بأس بهما فى أن يصلحا بينهما صلحا كأن تسمح له ببعض حقها عليه فى النفقة أو المبيت معها، أو بحقها كله فيهما أو فى أحدهما، لتبقى فى عصمته مكرّمة، أو تسمح له ببعض المهر ومتعة الطلاق أو بكل