لأن الشهادة إظهار الحق) أو على والديكم وأقرب الناس إليكم كأولادكم وإخوتكم، إذ ليس من بر الوالدين ولا من صلة ذوى الرحم أن يعانوا على ما ليس لهم بحق الإعراض عن الشهادة عليهم أوليّها والتحريف فيها، بل البر والصلة فى الحق والمعروف.
وليس من شك فى أن الحياة قصاص، فالذين يتعاونون على الظلم وهضم حقوق الناس، يتعاون الناس على ظلمهم وهضم حقوقهم، فتكون المحاباة من أسباب فشوّ الظلم والعدوان والمفاسد التي لا يؤمن شرها.
(إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما) أي إن يكن المشهود عليه من الأقارب أو غيرهم غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما، وشرعه أحق أن يتبع فيهما، فحذار أن تحابوا غنيا طمعا فى برّه، ولا خوفا من أذاه وشره، ولا فقيرا عطفا عليه وشفقة به، فمرضاة كل منهما ليست خيرا لكم ولا لهما من مرضاة الله، ولستم أعلم بمصلحتهما من ربهما، ولولا أنه يعلم أن العدل وإقامة الشهادة بالحق خير للشاهد والمشهود عليه لما شرع ذلك ولا أوجبه.
وروى ابن جرير عن السّدى فى سبب نزول الآية: أن رجلين فقيرا وغنيا اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكان حلفه (ميله القلبي) مع الفقير، يرى أن الفقير لا يظلم الغنى، فأبى الله إلا أن يقوم بالقسط فى الغنى والفقير.
وقال قتادة فى هذه الآية: هذا فى الشهادة، فأقم الشهادة يا ابن آدم ولو على نفسك أو الوالدين أو على ذوى قرابتك وأشراف قومك، فإنما الشهادة لله وليست للناس، والعدل ميزان الله فى الأرض، به يرد الله من الشديد على الضعيف، ومن الصادق على الكاذب، ومن المبطل على المحق اه.
(فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا) أي فلا تتبعوا الهوى لئلا تعدلوا عن الحق إلى الباطل، إذ فى الهوى الزلل.
(وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) أي وإن تلووا ألسنتكم بالشهادة وتحرّفوها أو تعرضوا عنها فلا تؤدوها فالله خبير بأعمالكم لا يخفى عليه قصدكم فهو مجازيكم بما تعملون.