وهم إنما صلبوا غيره، ومثل هذا الشبه يحدث كثيرا فى كل زمان وتحكى عنه نوادر وحوادث غاية فى الغرابة لكنها قد وقعت فعلا.
فقد ذكر بعض المؤلفين فى الطب الشرعي من الإنجليز حادثة وقعت سنة ١٥٣٩ فى فرنسا استحضر فيها ١٥٠ شخصا لمعرفة شخص يدعى (مارتين جير) جزم أربعون منهم بأنه هو هو وقال خمسون انه غيره والباقون ترددوا ولم يمكنهم أن يبدوا رأيا ثم اتضح من التحقيق أن هذا الشخص كان غير مارتين جير وانخدع به هؤلاء الشهود المثبتون وعاش مع زوجته مارتين محوطا بأقاربه وأصحابه ومعارفه ثلاث سنوات وكلهم مصدق أنه مارتين، ولما حكمت المحكمة عليه بظهور كذبه بالدلائل القاطعة استأنف الحكم فى محكمة أخرى فأحضر ثلاثون شاهدا أقسم عشرة منهم بأنه هو مارتين، وقال سبعة إنه غيره وتردد الباقون.
على أن هذا الحادث من خوارق العادات التي أيد الله بها نبيه عيسى بن مريم وأنقذه من أعدائه فألقى شبهه على غيره وغيّر شكله، فخرج من بينهم وهم لا يشعرون، وفى أناجيلهم وكتبهم نصوص متفرقة تؤيد هذا الوجه وإذا قال قائل: وإذا كان المسيح قد نجا من أعدائه فأين ذهب؟ والجواب أنا إذا قلنا إنه رفع بروحه وجسده إلى السماء فلا ترد هذه الشبهة، وإذا قلنا إن الله توفاه فى الدنيا ثم رفعه إليه كما رفع إدريس عليهما السلام فلا غرابة فى ذلك، فإن أخاه موسى عليه السلام قد انفرد عن قومه فى مكان لم يعرفه أحد منهم، وكانوا ألوفا عدة خاضعين لأمره ونهيه، فكيف يستغرب أن يفرّ عيسى عليه السلام من قوم هم أعداء له، لا ولى له فيهم ولا نصير إلا أفراد من الضعفاء قد انفضّوا من حوله وقت الشدة، وقد أنكره أمثلهم بطرس الحوارى ثلاث مرات؟.
(وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ) قال فى لسان العرب: الشك ضد اليقين، فالشك فى صلب المسيح هو التردد فيه أهو المصلوب أم غيره؟