والمعنى- وإن الذين اختلفوا فى شأن عيسى من أهل الكتاب لفى تردد من حقيقة أمره، إذ ليس لهم به من علم قطعىّ الثبوت، وإنما هم يتبعون الظن والقرائن التي ترجح بعض الآراء على بغض، وقد جاء فى بعض الأناجيل التي يعوّلون عليها أنه قال لتلاميذه (كلكم تشكّون فى هذه الليلة) أي الليلة التي يطلب فيها للقتل (إنجيل متى من ٢٦- ٣١ ومرقس من ١٤- ٢٧) .
وإذا كانت أناجيلهم تنطق بأنه أخبر تلاميذه أو عرف الناس له بأنهم سيشكون فيه فى ذلك الوقت، وخبره صادق قطعا، فهل من العجيب اشتباه غيرهم وشكّ من دونهم فى أمره؟.
(وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً) أي وما قتلوا عيسى بن مريم وهم متيقنون أنه هو بعينه، إذ هم لم يكونوا يعرفونه حق المعرفة، والأناجيل التي يعوّل عليها صريحة فى أن الذي أسلمه إلى الجند هو يهوذا الاسخريوطي وقد جعل لهم علامة أن من قبله يكون هو المسيح فلما قبّله قبضوا عليه، وإنجيل برنابا يصرح بأن الجنود أخذوا يهوذا الاسخريوطي نفسه ظنا أنه هو المسيح، لأنه ألقى عليه شبهه، ومن هذا تعلم أن الجند ما كانوا يعرفون شخص المسيح معرفة يقينية.
والخلاصة- إن روايات المسلمين جميعها متفقة على أن عيسى عليه السلام نجا من أعدائه ومريدى قتله فقتلوا آخر ظنا منهم أنه هو.
(بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ) هذه الآية كآية آل عمران «إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا» وقد روى عن ابن عباس أنه فسر التوفى بالإماتة، وعن ابن جريج تفسيره بالأخذ والقبض والمراد منه ومن الرفع إنقاذه من الذين كفروا بعناية من الله بعد أن اصطفاه إليه وقربه.
وقال ابن جرير نقلا عن ابن جريج: فرفعه إياه توفيه إياه وتطهيره من الذين كفروا أي فليس المراد الرفع إلى السماء بالروح والجسد ولا بالروح فقط، وفى تفسير ابن عباس